اللعبة انتهت.. فسقط القناع

  • 10/18/2022
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

اللواء الركن م. الدكتور بندر بن عبد الله بن تركي آل سعود قبل ظهور التقنية الرقمية، كان الغرب عموماً، وأمريكا على وجه الخصوص، تستغل الإعلام بذكاء خبيث لتمرير أجندتها تحت الطاولة، مستعينة في ذلك بالجزرة والعصا. ويدرك كل متابع، أن السياسة الأمريكية اضطلعت بدور مهم في تنصيب كثير من (زعماء) ما تسميه بـ (دول العالم الثالث) من العسكر المستبدين؛ ومن ثم دعمتهم بالمال والسلاح والمستشارين والجوازات إن لزم الأمر، ناهيك عن القصور والخمور. وقد حققت أمريكا من هذا مكاسب كثيرة لشعبها على حساب المقهورين في (العالم الثالث) الذي استكان واستسلم إلى هذا التصنيف المجحف.. لا أدري كيف خنع هذا (العالم الثالث) لسياسة الأمر الواقع، وثبَّت هذا المصطلح المجحف على نفسه، حتى في مناهجه الدراسية، يورِّثها أبناءه جيلاً بعد آخر. وعلى كل حال، كان الأمر كذلك: استغلال الإعلام لتمرير السياسة الأمريكية، تحت الطاولة، خدمة لمصالح السياسيين الأمريكيين على حساب الشعوب المقهورة؛ من خلال تهديد أولئك (القادة) المستبدين الذين تنصِّبهم أمريكا هنا وهناك شرقاً وغرباً. وقد وظَّف السياسيون الأمريكيون من الحزبين الرئيسيين (الجمهوري والديمقراطي) تلك الآلة الإعلامية الهائلة المتفردة إلى حد كبير، التي كانت تعمل في الظلام قبل عصر التقنية الرقمية، في تحقيق أهدافهم، لاسيَّما عند اقتراب موعد الانتخابات للوصول إلى البيت الأبيض. بل بلغ الأمر مرحلة الخيانة والتجسس في سقوط أخلاقي مخجل، وليست فضيحة (ووتر قيت) في عهد الرئيس نيكسون ببعيدة عن الأذهان. أما اليوم، في عصر التقنية الرقمية الذي أتاح حتى للطفل الصغير في أقصى ناحية في الكرة الأرضية، أن يحمل العالم في هاتفه النَّقال، فيطلع على كل شيء، من صدق الصادقين ووفائهم كالقادة السعوديين، إلى كذب الكاذبين وخيانتهم كالساسة الأمريكيين. ولهذا لم تعد سياسة تحت الطاولة التي كانت أمريكا تمارسها مع عملائها ممن تنصِّبهم هنا وهناك رغم أنف الشعوب تجدي نفعاً. فاضطرت لحشد قضها وقضيضها من آلتها الإعلامية الهائلة المتوحشة، التي لا تعرف معنىً للقيم والأخلاق المهنية من أجل خدمة مصالحها والوصول إلى البيت الأبيض، وإن أبقت على سياسة الجزرة والعصا. فطالما مارست الأولى (الجزرة) مع اليهود لعقود، بل ما تزال تزيد الجرعة أكثر في كل مرة. وقد رأينا كلنا هذا التسابق المحموم لزعماء الأحزاب الأمريكية لمشاركة اليهود مؤتمرهم العام السنوي، وتقديم وعود يسيل لها لعاب اليهود، دونما أدنى مبالاة بالدول الإسلامية والعربية، أو حتى مراعاة لمشاعرهم، ناهيك عن الحرص على مصالحهم أو احترامها؛ بل تذهب الصفاقة بالبعض بعيداً، فيحط الرحال في الكيان الصهيوني لكسب أصوات الناخبين اليهود والحصول على دعم أصحاب الأموال من يهود العالم، لاسيَّما يهود أمريكا الذين أصبحوا يتحكمون في كثير من النفوذ هنالك، مؤكدين بكل تبجح أن أمن أمريكا من أمن الكيان الصهيوني. ويمارس أولئك هذا الأمر فعلاً، إذ يغدقون على دولة الكيان الصهيوني أكثر مما تحلم به. ويكفي فقط ما تقدمه لها أمريكا من دعم سياسي غير محدود في كل المحافل الدولية، خاصة في الأمم المتحدة نفسها التي قيل إنها أسست لضمان الأمن والسلم في العالم، من خلال تحقيق العدالة بقوة السلاح إن لزم الأمر، مستخدمة حق (الفيتو) في صفاقة عجيبة غريبة لا يتقنها اليوم إلا السياسي الأمريكي. أما الثانية (العصا) فأصبح ساسة أمريكا اليوم يشهرونها في وجه الدول التي يرون أنها أصبحت تستغل بقراراتها، وتحدد سياستها وفق مصالح شعبها، بعيداً عن تدخل أي دولة أخرى في شؤونها الداخلية، حتى إن كانت أمريكا نفسها. وتأتي السعودية اليوم في صدر قائمة تلك الدول التي تنتهج سياسة واضحة، لا لبس فيها ولا مداهنة ولا غدر ولا خيانة ولا استغلال لظروف هذه الدولة أو تلك، مما أكسبها احترام العالم، ورسَّخ مصداقيتها لديهم وعزز ثقتهم في قادتها. فأصبح شأن بلادنا يتعاظم يوماً بعد آخر حتى لدى المواطن العادي في العالم كله، غربه قبل شرقه، مما أثار حفيظة أمريكا، لأنها لا تحب، بل قل إنها لا تسمح لأحد أن يتقدم حتى لا ينافسها السيادة على العالم. فحرضت آلة إعلامها المتعطشة للكذب والإدعاء والتلفيق للعمل ليل نهار لتشويه سمعة السعودية بالعمل على دمار اقتصاد العالم، بعد أن ثبت للجمع كذب أمريكا باتهام السعودية من قبل برعاية الإرهاب، مع أنها كانت أول من اكتوى بناره في المنطقة، إضافة لتلك الفرية التي دمرت بها العراق وأفغانستان وسوريا ولبنان وليبيا والصومال والسودان، وتواطؤها مع إيران وعملائها الحوثيين في اليمن الذي لم يعد خافياً على أحد. وتآمرها المكشوف على روسيا، وسعيها الحثيث لتعطيل قدراتها العسكرية وشل اقتصادها وإشغالها بنفسها من خلال تلك الحرب المفتعلة ضد أوكرانيا، لتصطاد بذلك عصفورتين بحجر واحد: دمار الدولتين معاً، إذ ليس لأمريكا صديق دائم، بل مصالح دائمة، كما عبر عن ذلك كيسنجر مراراً. ثم تحرش أمريكا اليوم بالصين لإشعال فتيل الحرب بينها وبين تايوان، لإخراج بكين من المعادلة الدولية، مثلما أوشكت على إخراج روسيا. وخذوها عني: لن يمر وقت طويل حتى تجد أمريكا ذريعة لتعطيل عجلة المارد الهندي أيضاً. لكن مع كل هذا الغثاء والطيش الذي يمارسه ساسة أمريكا، يبقى هنالك المثقفون والأكاديميون والمتعلمون، إضافة إلى طيف واسع من الشعب الأمريكي الذين يدركون يقيناً مكانة السعودية وأهميتها، ليس لواشنطن فحسب، بل للعالم أجمع من أجل استقرار السلم والأمن ومحاربة أعداء البشرية في العالم من فقر وجهل ومرض. فكثيراً ما نقل إعلام بايدن هذا نفسه، الذي يؤلب اليوم الغوغاء ضد السعودية بمزاعم واهية، لأولئك الغوغاء أنفسهم، قوافل الخير السعودية وهي تترى ملبية نداء المستغيثين في العالم شرقاً وغرباً، حتى في إيران نفسها التي تمالئها أمريكا اليوم على حساب السعودية. فعلاً: السياسة الأمريكية، لعبة قذرة كما يصفها الأمريكيون أنفسهم، بخلاف السياسة السعودية التي لا تتخلى عن الأخلاق الفاضلة مهما كان الوضع صعباً ومعقداً. اسمعوا معي حديث المؤسس لروزفلت الذي رسم خطى السياسية السعودية وشرف الكلمة أكثر من المواثيق المكتوبة، رداً على روزفلت عندما قال له: (إن تأكيداتي هنا تعبر عن سياستي المقبلة، سلطة تنفيذية لحكومة الولايات الأمريكية المتحدة).. فرد عليه الملك عبد العزيز: (لا أريد كتابات، بل أريد أن تُعْطَى الكلمة من عبد العزيز لروزفلت، ومن روزفلت لعبد العزيز). وعلى كل حال، ليس ثمَّة شك أن تلك الصفوة تدرك أهمية السعودية لأمريكا كما هي للعالم في الوقت نفسه. وقد اعترف بهذا الفضل فطاحلة السياسة الأمريكية وثعالبها، منذ عهد التأسيس حتى اليوم، فها هو روي لبكتيشر يشهد بفضل المؤسس في دعم الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، واحدة من أكبر الكوارث التي كانت تهدد وجود البشرية كلها، مؤكداً أنه كان عوناً لهم على الانتصار: (… إن معونة ابن سعود لنا في كسب الحرب، ما زال كثيرون غير مدركين أنها كانت عظيمة وجوهرية. وهو وإن لم يقدم لنا عوناً عسكرياً، إلا إنه حافظ على الاستقرار في العالم العربي… فلو شاركت القبائل العربية دول المحور، لكان في ذلك هلاكنا… ومع وجود مجندين للمحور آنذاك، بين العرب، فقد ظلَّ ابن سعود وفياً للحلفاء، لا يسمح ببادرة غدر تبدر في أي مكان امتد إليه نفوذه. و لو لا يده المهدئة، لاضطر الحلفاء لاستعمال جيوش لحفظ النظام في بلاد العرب تكبدهم من النفقات أكثر بكثير من تلك المعونة التي قدموها إليه، لكي يتغلب بها على ضيق بلاده الاقتصادي.. لقد كان عبد العزيز وفيَّاً). كما يشهد روزفلت ثعلب السياسة الأمريكية عبر تاريخها الطويل، بوفاء قادة السعودية وذكائهم ودهائهم وحفظهم للعهود والمواثيق وأهميتهم لاستقرار العالم وأمنه، إذ يؤكد إثر لقائه المؤسس في الثاني من ربيع الأول 1364ه، الموافق للخامس عشر من فبراير 1945م: (… فقد وعيت مثلاً عن مسألة الجزيرة العربية، تلك المشكلة بحذافيرها، مشكلة المسلمين ومشكلة اليهود. وعيت عنها، في حديث دام خمس دقائق مع ابن سعود، أكثر مما كنت أستطيع معرفته بتبادل ثلاثين أو أربعين رسالة). ومع كل هذا، يأتي اليوم مراهقو السياسة الأمريكية أمثال أوباما، ترامب وبايدن، الذين لا يختلفون كثيراً في ممارستهم للسياسة عن حاطب الليل الذي يجمع الغث والثمين، ليؤلبوا الناس ضد دولة الرسالة ورسول الخير للناس أجمعين. وعلى كل حال، ليعلم هؤلاء السُّذَّج قبل غيرهم، أن لعبتهم القذرة تلك قد انتهت، وكُشِفَ النقاب في عصر التقنية الرقمية هذا، الذي أسقط زيفهم، ودحض افتراءاتهم التي لا تقدم للعالم غير مزيد من الدمار والتخلف.. وأن قافلة خير السعوديين ستظل تشق طريقها نحو النور بكل قوة وثقة، لن يعطل مسيرها إغراء جزرة مهما كانت شهية، أو تخويف عصا مهما كانت غليظة.. يؤكد هذا، الخطاب الملكي الكريم الذي وجهه قائد مسيرتنا الظافرة خادم الحرمين الشريفين، سيدي الوالد المكرم الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، بحضور ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفظهم الله ورعاهم وسدد على طريق الخير خطاهم، لمجلس الشورى في افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة الثامنة للمجلس مؤخراً. وقد كان خطاباً ضافياً حدد ملامح السياسة الداخلية والخارجية للفترة القادمة، أكد فيه مقامه السامي الكريم اهتمام بلاده بإرساء السلم والأمن في العالم، لاسيما في البلدان العربية والإسلامية من العراق إلى لبنان، فلسطين، سوريا، اليمن، السودان وليبيا؛ بل حتى إيران، التي نصحها المليك المفدى بالتجاوب مع المجتمع الدولي فيما يتعلق بملفها النووي؛ مؤكداً التزام بلاده برسالتها السامية لمساعدة الدول الفقيرة أثناء الكوارث والأزمات، خاصة في موضوع الأمن الغذائي والأمن الزراعي. وبقائها وسيطاً نزيهاً للسلام ومنارة للإنسانية للعالم أجمع. مشيراً بفخر واعتزاز إلى دور بلاده وأهميتها في دعم أسواق النفط العالمية وتوازنها، والعمل على استقرارها بوصف البترول عنصراً مهماً في دعم نمو الاقتصاد العالمي. لكن الخبر الجيد: وجَّه مليكنا المفدى صفعة مدوية لبايدن بإعلانه عن اكتشاف بلادنا لحقول جديدة للغاز الطبيعي، بينها حقول غير تقليدية، مما يعزز دورنا مورداً مهماً في مد العالم بالطاقة. أما رفع بعض أعضاء الإدارة الأمريكية لعصا التهديد بمنع السلاح عن السعودية، فقد تسابقت كل من روسيا، الصين وكوريا الجنوبية مشكورة للرد عليه، مؤكدة أنها على استعداد تام لتوفير احتياجات السعودية من كل ما تريده من أسلحة متطورة بمختلف أشكالها، لأننا دولة مسؤولة ذات مصداقية راسخة ومواقف مشرفة ثابتة لا تلين أمام الحوادث مهما قست سطوتها؛ ولهذا تشرئب أعناق الجميع للتعامل معنا. ومع جزيل شكرنا وتقديرنا لتلك الدول الثلاثة التي بادرت باستعدادها للاستجابة لكل ما قد نحتاجه من سلاح، إلا أن أمريكا تدرك جيداً أكثر من غيرها، أنه ليس في مقدور أحد أن يقف أمام عزيمة السعودية على خدمة مصالحها وحماية أمنها القومي، وإن نسي الأمريكيون، فأذكرهم بصفقة صواريخ أرض – أرض الإستراتيجية التي نفذناها مع الصين بليل، في مارس من عام 1988م، مما شكل مفاجأة مدوية ألجمت أمريكا، فنفخت في بوق إعلامها لشن حملة شعواء ضد السعودية التي (يشكل حصولها على صفقة الصواريخ تلك تهديداً لقضايا السلام والاستقرار في المنطقة… كما تشكل تهديداً لأمن إسرائيل) حسب زعمهم.. أتدرون لماذا: لأننا حصلنا عليها بطريقتنا الخاصة، متجاوزين في ذلك (الدولة العظمى). على كل حال، ليعلم بايدن وإدارته أن اللعبة انتهت.. وسقط القناع. فلم يعد بمقدورهم تسويق بضاعتهم المزجاة تلك. فيسبوك تويتر لينكدإن بينتيريست مشاركة عبر البريد طباعة أقرأ التالي

مشاركة :