واين روني.. هدف ذهبي فتح التاريخ للولد الذهبي

  • 1/11/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

كان مايو (أيار) 2001 نقطة فاصلة بالنسبة إلى آرسنال. كان قد خسر في نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي 2 - 1 أمام ليفربول، عندما تسببت السرعة الفائقة التي يتمتع بها الصغير مايكل أوين مهاجم ليفربول في كشف ثغرات في دفاعات فريق أرسين فينغر. وبعد مرور أسبوع على هذه الخسارة، جاءت خاتمة الموسم باهتة تماما لـ«المدفعجية»، مع هزيمتهم 2- 3 أمام ساوثهامبتون، عندما استسلم الفريق بعد تلقيه هدفا ثالثا قرب نهاية المباراة. وقضى فينغر معظم الصيف في محاولة الحصول على خدمات سول كامبل من توتنهام، حيث كان المدرب الفرنسي قد بدأ تصحيح العيوب التي ظهرت على تشكيلاته، وبناء الفريق الذي سيصبح فيما بعد بطلا لدوري الدرجة الأولى الإنجليزي الممتاز. بعد الهزيمة من ساوثهامبتون، لم يخسر آرسنال أي مباراة في الدوري على مدار 17 شهرا، إلى أن نجح لاعب في الـ16 من عمره في تسجيل هدف رائع. وإذا كنت لتتخيل عالما نجح فيه أرسين فينغر في التعاقد مع لاعبين يملكون روح البطولة، فسيكون بمقدورك كذلك أن تتذكر ديفيد مويز كوجه جديد. في مارس (آذار) 2002، وبينما كان فينغر ينتزع أول ألقابه منذ 1998، كانت عملية لإعادة البناء قد بدأت في «غوديسون بارك» معقل إيفرتون، بتعيين مدربه الجديد الخبير. وحظي إيفرتون بفترة استقرار لافتة تخللتها عروض فائقة التوقعات، بقيادة الإسكوتلندي مويز. وكان مويز تحدث لدى وصوله بصورة طيبة عن مدينة ليفربول، وعن الانتقال إلى مكان لا يختلف كثيرا عن مسقط رأسه، غلاسكو. وقال المدير الفني الذي كان في عامه الـ38 آنذاك، : «إنني ألتحق بنادي الشعب...وغالبية الناس الذين يقابلهم المرء في الشارع هم من مشجعي إيفرتون». وربما لمس مويز في المراهق واين روني ما يذكره بجذوره، إذ إن روني من أبناء طبقة عاملة، وهو ما دفع بالمدرب الإسكوتلندي لوصف روني في وقت لاحق بأنه «آخر لاعبي الشوارع الكلاسيكيين». ومما لا شك فيه أن مويز وجد في الفتى الصغير موهبة تتأهب للانطلاق. يقول مويز إن ما أقنعه فعليا بأن روني لاعب واعد سيصل مباشرة إلى القمة، بحسب تعبير المدرب الإنجليزي هاري ريدناب، هو أداؤه الساحر وعزفه المنفرد ضد ليدز يونايتد بعد أسبوعين من الفوز على آرسنال. لكن مويز يشير كذلك إلى لحظة مبكرة، فطن عندها هو ومساعدوه، إلى أنهم أمام لاعب غير عادي. وفي واحدة من أوليات الحصص التدريبية مع الفريق الأول، تسلم المهاجم الشاب الكرة قرب خط التماس، وراوغ أحد المدافعين وصوب كرة خادعة استقرت في أقصى زاوية للمرمى. يتذكر مويز هذه اللعبة، قائلا: «كان جميع أعضاء الطاقم التدريبي يشاهدون اللعبة، وكانوا ينظرون إلى بعضهم البعض. كانت على وجوههم النظرة نفسها، وهم يلتفون إلى بعضهم البعض ويقولون: هل رأيت هذا؟ هل هذا حقيقي؟ لم يصرخ أي منهم قائلا: ما أروعه هدفا! وربما كان كل منهم يتساءل ما إذا كان روني يقصد فعلا تصويب الكرة بهذا الشكل. ومنذ تلك اللحظة كنا جميعا يراودنا هذا التفكير: يا للروعة، يا له من لاعب. إن لدينا لاعبا رائعا». بعيدًا عن الأضواء في اليوم الأول لانطلاق موسم 2002 - 2003، استضاف إيفرتون فريق توتنهام، وقرر مويز أن يمنح روني أول ظهور له من بداية المباراة. كذلك كانت المباراة تمثل أول ظهور لغالبية لاعبي الفريق الآخرين. هاجمه جمهور الفريق الضيف كثيرا، وكانوا يهتفون: «من أنت؟» كلما لمس المهاجم المراهق الكرة ترك هذا أثرا، إذ كتب روني في أول مذكراته: «توقف الجمهور عن الغناء، وكانوا فقط يصدرون صيحات الاستهجان ويكيلون لي الإساءات والشتائم. كان هذا مضحكا». أبقى مويز طفله المعجزة بعيدا عن الأضواء في الأسابيع التالية، حيث استخدم روني كبديل في معظم المباريات. كان يشارك في آخر 20 أو 30 دقيقة، ويقدم أداء جيدا، ويقدم المساعدة لرفاقه هنا وهناك، كما كان يحدث أن ينال بطاقة صفراء من دون داع بسبب تدخل عنيف لاستخلاص الكرة، أو إهانة المسؤولين. كان مويز على الأقل يعرف أن روني ليس من النوع الذي يهاب الموقف. بعد ذلك، وفي الأول من أكتوبر (تشرين الأول)، لعب إيفرتون خارج أرضه في مواجهة ريكسهام في كأس إنجلترا. ولعب روني احتياطيا وسجل هدفين من خلال تمرير الكرة بين ساقي الحارس، ليساهم في انتصار فريقه بـ3 أهداف للاشيء، ويصبح أصغر هداف في تاريخ إيفرتون. لقد بزغ نجم روني، ولم يعد بمقدور مويز مفاجأة خصومه به بعد ذلك. وبعد ذلك بأسبوعين ونصف، حل آرسنال ضيفا على ملعب غوديسون بارك. كان بطل الدوري يتصدر ترتيب المسابقة بعد تحقيقه 7 انتصارات وتعادلين ولم يكن قد ذاق طعم الهزيمة طوال 30 مباراة في الدوري. وكان آرسنال قد أصبح عندئذ فريقا شرسا بقيادة فينغر، فهو يملك الظهير فريدي ليونغبرغ، الذي تحركه تمريرات دينيس بيرغكامب، بينما يقود تيري هنري خط الهجوم، في حين يتحرك باتريك فييرا أمام ساتر دفاعي يقوده سول كامبل. ورغم هذا، كانت الأيام السابقة كارثية بالنسبة إلى واحد من كبار نجوم «المدفعجية». كانت إنجلترا تخوض مباراة ضد مقدونيا في تصفيات بطولة الأمم الأوروبية «يورو 2004» على ملعب «سانت ماري»، وحصل الفريق الضيف على ركنية بعد مرور 11 دقيقة من اللعب. تصدى لتنفيذها اللاعب أرتيم ساكيري، الذي سدد كرة خادعة بيسراه، مرت مستقيمة حتى حدود منطقة الـ6 ياردات، قبل أن تغير مسارها وتستقر في أقصى الزاوية اليمنى العلوية للحارس المخضرم ديفيد سيمان. ويبدو عند إعادة مشاهدة اللعبة، أن من شبه المستحيل التصدي لهذه الكرة، ولكن سيمان تعرض لانتقادات شديدة رغم ذلك. ولسوء حظ حارس المرمى الكبير، أنه كان تلقى هدفا بالطريقة نفسها تقريبا قبل بضع شهور قليلة في ربع نهائي بطولة كأس العالم. صبت الصحافة غضبها على سيمان، وكانت تلك آخر مبارياته الدولية. وبسبب الجدل الدائر على الصعيد الوطني حول أحقيته بالانضمام لمنتخب إنجلترا، حضر سيمان لمواجهة إيفرتون وهو تحت ضغط شديد، على رغم تشكيلة آرسنال القوية حينها. ولذا حين تردد الحارس في التعامل مع أول ركنية نفذها اللاعب مارك بيمبريدغ، تهكم عليه جمهور إيفرتون ليذكروه بأخطائه السابقة. لكن سرعان ما دب الصمت في جمهور الفريق صاحب الأرض، عندما أخطأ المدافع ديفيد واير في تشتيت الكرة داخل منطقة مرماه، ليستغل ليونغبيرغ الفرصة ويسدد في الشباك الخالية، ويضع المدفعجية في المقدمة في أول 7 دقائق. لكن الرد جاء قويا من إيفرتون بعد مرور 15 دقيقة، عندما سدد لي كارسلي تسديدة قوية ارتطمت بالقائم وارتدت لتجد المهاجم توماس رادزينسكي، الذي راوغ باسكال كايغان، وسدد بقوة داخل شباك سيمان محرزا التعادل. استمر التعادل 1- 1 حتى نهاية الشوط الأول. سيطر آرسنال على مجريات اللعب في شوط المباراة الثاني، ودفع فينغر بالجناح سيلفان ويلتورد الذي سدد في العارضة. كما أضاع كل من هنري وليونغبيرغ فرصا شبه محققة. وبدأ القلق يتسرب إلى أبناء «غوديسون بارك»، وحينها لجأ المدرب مويز إلى روني، بعد مرور 80 دقيقة. كان أول ما فعله روني هو الضغط على المدافع المخضرم، كامبل، لانتزاع الكرة. وارتفعت معنويات أنصار إيفرتون بحماس المهاجم الشاب، مع تواصل آرسنال في إضاعة فرص التسجيل. ومن بين هذه الكرات، تسديدة صاروخية لويلتورد علت العارضة. وما إن وصلت المباراة إلى الدقيقة 90، نفذ ريتشارد رايت ضربة مرمى في عمق دفاعات آرسنال ليردها كامبل بالرأس إلى منتصف الملعب. وصلت الكرة إلى توماس غرافيسين الذي أرسلها إلى الأمام لتجد روني. ولم يكن واضحا ما الذي سيفعله المهاجم الصغير، لكن روني وضع بأربع لمسات فقط نهاية لسجل المدفعجية الخالي من الهزائم. * «يجرب حظوظه!» «روني، سيطرة سريعة على الكرة»، هكذا كان يتحدث المعلق الشهير كليف تيلديسلي، والمهاجم الشاب يتسلم الكرة العالية بأول لمسة، على مسافة 40 ياردة من المرمى. ولأنه فطن إلى تقهقر مدافع آرسنال، الكاميروني لورين، فقد عاد بالكرة إلى الخلف بمواجهة مرماه، قبل أن يستدير 360 درجة بلمسة ثانية، ليعود بمواجهة دفاع آرسنال المتقهقر. لم يقرأ المهاجم كيفين كامبل اللعبة بشكل سليم، ولو كان يعرف ما يفكر به روني لوقف متفرجا ومستعدا لتوبيخ المهاجم المراهق بسبب عدم التمرير له وهو في مركز متقدم. لكن كامبل شعر بأن هناك فرصة سانحة واندفع يسارا. وما أن وصل المهاجم الأسمر إلى الثغرة بين لورين وسول كامبل، التفت يمينا نحو روني، ولسان حاله يقول، «تمريرة سريعة وأكون منفردا بالمرمى». غير أنه وجد روني يتجاهله ويدفع الكرة بضع ياردات أمامه، بينما لم يتمكن المهاجم كامبل من السيطرة على سرعته ويصبح في وضع تسلل، لكن اندفاعه زحزح دفاع آرسنال إلى الخلف لياردة حاسمة. يسرع روني بعد لمسته الثالثة ويرمق المرمى بنظرة خاطفة. وبالنسبة إلى صبي صغير، فالتسديد على مرمى فريق بطل من هذا المسافة لا بد وأنه يعكس ثقة بالنفس، وإيمانا شديدا بقدراته، صنعتهما أهدافه الثلاثة في مرمى ريكسهام في كأس الاتحاد الإنجليزي ومئات الأهداف التي سجلها مع فرق الناشئين، وفي الحدائق وفي الشوارع وتسديداته في نوافذ روضة الأطفال المقابلة لمنزل والديه. فجأة أبطأ حركته، واستقرت عيناه على المرمى للحظة، وعندها أدرك سول كامبل ولورين على السواء أن المهاجم الصبي مقدم على فعلة جريئة. وبينما يرفع روني ذراعه اليسرى نحو السحب ويوجه قدمه اليمنى صوب الكرة، يقول المعلق تيلديسلي بصوت أطفأته جسارة اللعبة: «يجرب حظوظه..!». تنفيذ رائع من روني، تتخطى الكرة ساق سول كامبل الممدودة وتصل إلى نقطة التقاء القائم والعارضة، بينما يكتفي روني بالمشاهدة. يرفع سيمان يده اليسرى لإنقاذ الكرة، لكن روني كان صوب في المكان المضمون، وهو أعلى بياردة عن قفاز الحارس. هناك ما يشبه الإجماع على الإعجاب بالأهداف المسجلة من كرات ترتطم بأسفل العارضة. وربما هي اللحظة التي تتبدد عندها كل الشكوك بينما يظل لدى الحارس أمل بإنقاذ مرماه، قبل أن يجدها دخلت شباكه بمزيد من القوة. إن الكرات التي تدخل المرمى بهذا الشكل، لا تتجاوز خط المرمى فحسب، بل تمر إلى آخر نقطة بالمرمى وترقص فيها. يصرخ تيلديسلي، «أوه، هدف رائع! هدف رائع!»، بينما تصطدم الكرة بالعارضة وتستقر في الشباك. لكن ما الذي يفكر به روني وهو يركض بعد تسجيل الهدف؟ كان في هذا الوقت لاعبا غير محترف، ويحصل على 75 دولارا فقط في الأسبوع. طفل في مباراة للرجال. قد يفكر في أفضل طريقة للاحتفال بالهدف: هل أقفز، هل ألكم الهواء، هل أقف وأرفع يداي؟ في النهاية قام بشيء من الثلاثة. على الخط كان مويز يركض ويقفز وصولا إلى مقاعد البدلاء. أصبح لدى الدوري الممتاز واحد من أصغر الهدافين الجدد، وقد فعلها أمام فريق بطل من دون أن يكترث لذلك. ينصح المعلق مستمعيه قائلا: «تذكروا الاسم: واين روني!». لكن صاحب الـ16 عاما الذي جرب حظوظه، سيواصل أداءه القوي بعد ذلك، بحيث لا تكون هناك حاجة لهذه النصيحة.

مشاركة :