فجرت قضية مقتل 15 مهاجراً غير شرعي حرقاً في أحد شواطئ مدينة صبراتة الليبية ملف الاتجار بالبشر في البلاد، حيث ألقى سياسيون وحقوقيون المسؤولية على المجتمع الدولي، مؤكدين أن الانقسام السياسي زاد هذه الأزمة تعقيداً. في البداية يرى عضو مجلس الأعلى للدولة، عادل كرموس، أن «غياب وجود حكومة قوية، وعدم توفر التنسيق الأمني يرجح تكرار حادث محرقة المهاجرين بصبراتة». وقال كرموس لـ«الشرق الأوسط» إن حكومة عبد الحميد الدبيبة «ربما لا تسيطر إلا على العاصمة طرابلس دون حدودها الإدارية، بينما يقع معظم مدن الساحل الغربي، ومنها صبراتة، تحت سيطرة تشكيلات مسلحة لا تأتمر في الغالب بأوامرها»، لافتاً إلى أن الحدود الجنوبية، التي تعد نقطة عبور المهاجرين إلى وسط البلاد، تخضع لسيطرة قوات الجيش الوطني، بقيادة المشير خليفة حفتر، وأن «عشرات المهاجرين يسقطون قتلى بين يوم وآخر بسبب سوء المعاملة داخل المعسكرات التي يديرها المهربون». وقُتل المهاجرون الـ15 إثر نزاع بين مجموعتين لتهريب البشر في صبراتة، وذلك عندما أطلقت إحداهما النار على تنك وقود القارب الذي كان يقلّهم، ما أدى إلى تفحمهم. وفيما لا تزال النيابة العامة تحقق في الجريمة، رفض كرموس تحميل سكان صبراتة عبء التصدي لعصابات التهريب، التي تحظى بتسليح كبير، لكنه ألقى بالمسؤولية الكبرى على المجتمع الدولي، وقال إنه «يكتفي بتدوير الأزمة الليبية دون حلها، والتغاضي عن بذل أي جهد لتتبع ورصد الجهات التي تموّل رحلات المهاجرين من دول الجنوب الأفريقي إلى الحدود الليبية». في السياق ذاته، توقَّع وزير الدفاع الليبي السابق محمد محمود البرغثي، «تغوّل مهربي البشر في ليبيا، في ظل انشغال جميع المؤسسات والأجسام بالصراع الراهن على كراسي السلطة، وانصرافهم عن متابعة هذه القضية، وغيرها من القضايا والجرائم ذات التداعيات الكارثية كانتشار السلاح والمخدرات». ورأى البرغثي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «لا توجد حالياً جهة يمكن التعويل عليها لكبح جماح مافيا تجار البشر، بسبب انقسام الجيش، وعدم وجود مؤسسة أمنية قوية». مبرزاً أن «التفاعل الرسمي والشعبي مع الحادث، الذي أعاد تسليط الأضواء على هذا الملف المهم كان كعادته تفاعلاً وقتياً، لكن سرعان ما تم تجاوز الأمر، ومن المتوقع نسيانه لحين وقوع حادث جديد مماثل، وللأسف فقد يكون هذا غير بعيد التحقق بفعل توافد الرحلات في هذا التوقيت قبل حلول فصل الشتاء، الذي يصعب الإبحار خلاله». وحذّر البرغثي من «انحدار الأوضاع نحو الأسوأ، إذا ما طبّق اليمين الإيطالي الفائز مؤخراً في الانتخابات خططه بفرض حصار بحري ومنع استقبال المهاجرين، لأن هذا سيعني تكدسهم في البلاد في ظل عدم القدرة على ضبط الحدود الجنوبية، مما يعني ارتفاع نسب الجريمة بالمجتمع، وتزايد الاتهامات التي ستوجه إلى ليبيا بانتهاك حقوق المهاجرين». بدوره، تحدث رئيس «مؤسسة بلادي» لحقوق الإنسان، طارق لملوم، عن ارتفاع نسبة البلاغات التي تتلقاها المنظمات الحقوقية من أسر مهاجرين فقدوا الاتصال معهم عند وصولهم إلى الأراضي الليبية، مقارنةً بالأعوام الماضية. ورجح «وقوع هؤلاء المفقودين كضحايا لمافيا الاتجار بالبشر، لاعتماد قيادات الحكومتين المتصارعتين على السلطة التنفيذية في إطار تعزيز مواقعهما على تشكيلات مسلحة منخرطة في تهريب البشر، وبالتالي يتم التغاضي عن قيادات تلك التشكيلات وعن حلفائهم أيضاً». ولفت لملوم إلى أنه «يتم الاكتفاء بالقبض على صغار المهربين في نطاق سيطرة كل حكومة، وبالتالي يشعر الكبار بضمان الهروب من العقاب فتزداد وحشيتهم». من جانبه، أكد المتحدث باسم وزارة الداخلية بحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، اللواء عبد المنعم العربي، أن «التحقيقات في جرائم القتل تستغرق بعض الوقت للتعرف على الملابسات والظروف، وهذا يكون في الظروف المستقرة»، لكن في ظل الظرف الاستثنائي، الذي تمر به ليبيا، مع وجود جريمة قتل جماعية، توقع العربي ظهور النتائج بعد أسبوعين. مبرزاً أن وزارته «ستتعقب الجناة، وستعمل على تحديد أماكن التهريب بالساحل الغربي والقبض على الشبكات الكبيرة هناك».
مشاركة :