قال مشاركون في ندوة منتدى أصيلة الثانية حول «الأمن الغذائي في أفريقيا في حقبة الحرب بأوكرانيا... التداعيات الاقتصادية والجيو سياسية والأمنية»، أمس (الأربعاء)، إن الوضعية المرتبطة بالأمن الغذائي داخل أفريقيا لم تأت نتيجة للحرب في أوكرانيا، مشيرين إلى أن هذا النزاع لم يفعل أكثر من كشف المشاكل المتصلة بالأمن الغذائي، وتأكيد أنها أقدم وذات طبيعة أكثر بنيوية بالنسبة للقارة السمراء، مع الإشارة إلى اختلاف حدة ارتفاع أسعار المواد الأولية من بلد إلى آخر، وتباين مستوى التبعية للواردات من روسيا وأوكرانيا، والتأكيد على أنه لا يمكن القول بأن الأزمة الأوكرانية جاءت لكي تكرس النقص داخل القارة الأفريقية، باعتبار أنها كانت تعيش وضعية الهشاشة قبل تفجّر هذه الأزمة. وعرفت الندوة مشاركة كل من فاطمة الزهراء منكوب، الباحثة في الاقتصاد والمتخصصة في السياسات الزراعية والمائية وعضو مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، وأحمد أوحنيني، الباحث في الاقتصاد وعضو مركز السياسات من أجل الجنوب، وأمل الوصيف، المتخصصة في العلاقات الدولية وعضو المركز ذاته. وانطلق المشاركون في هذه الندوة، المنظمة بشراكة مع مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، من أرضية ترى أنه على الرغم من أن وضعية الأمن الغذائي مختلفة حسب المناطق والمناخ والرتبة والتساقطات المطرية أو حتى الأنظمة الغذائية، فإن أفريقيا ما زالت تشهد عجزاً تجارياً أكبر، مقارنة ببقية العالم فيما يخص المواد الغذائية الزراعية؛ وهو ما يجعلها رهينة بشكل كبير بالخارج للتزود بمواد أولية عدة، على غرار القمح الذي تهيمن كل من أوكرانيا وروسيا على صادراته على الصعيد العالمي، مع الإشارة إلى أن الأمن الغذائي في أفريقيا أضحى رهيناً بشكل متزايد بالرجات وبإعادة التشكيل الجيو سياسي؛ الشيء الذي يطرح سؤالاً حول ما إذا كانت الإصلاحات الزراعية الجارية عبر القارة السمراء قادرة على تخفيف خطر انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، وفي الوقت نفسه التصدي للآثار التي تزعزع الاستقرار، وذات الطابع الاقتصادي والمناخي والأمني في عالم آخذ في التحول ومليء بالشكوك. وبدأت منكوب مداخلتها بالإجابة على سؤال لماذا تعتبر أوكرانيا وروسيا فإعلان رئيسيان في سوق الغذاء العالمية، بالقول إنهما قوتان مهمتان ومؤثرتان على المستوى الزراعي، خصوصا على مستوى القمح الذي يشكل 20 في المائة من الإنتاج العالمي، ورأت أن تمركز الإنتاج بهما أثر على الأسعار داخل أفريقيا. كما تطرقت إلى أسباب غير مباشرة تشكل تمظهراً آخر لتأثير الأزمة الأوكرانية، يتمثل في الأسمدة، خصوصاً على مستوى أوكرانيا وروسيا وبيلاروسيا، فضلاً عن إمدادات الطاقة التي تؤثر في عملية الإنتاج وعلى مستوى التجارة. من جهته، رأى أوحنيني، أن من تداعيات الأزمة توقف إمدادات منطقة البحر الأسود؛ الشيء الذي دفع بعض البلدان إلى البحث عن ضمان أمنها الغذائي من خلال الرفع من وارداتها؛ وهو ما أثر على حاجيات بلدان أخرى، خصوصاً الأفريقية منها. داعياً في هذا السياق إلى إعادة النظر في النظام الفلاحي بأفريقيا، من خلال مداخل متعددة، وعلى رأسها البحث العلمي وتكوين المزارعين. من جهتها، توقفت الوصيف عند مفهوم الأمن الغذائي، لتؤكد أن الوضعية في عدد من البلدان الأفريقية «لا تتعلق بأمن غذائي، بل بنقص في التغذية»، مشيرة إلى أن «هذه البلدان تشترك في أنها تعيش مشاكل مرتبطة بالحروب والنزاعات المسلحة، وعدد من أطراف هذه الحروب والنزاعات توظف مسألة الغذاء لممارسة الضغط على ساكنة تلك المناطق». وقالت، إن 18 دولة أفريقية من أصل 21 عبر العالم عاشت في سنة 2021 نقصاً أو أزمة في الغذاء، موضحة أن الوضعية بهذه البلدان الأفريقية تؤثر على البلدان المجاورة، بفعل استقبالها للاجئي تلك البلدان؛ الشيء الذي يضاعف من وضعية الحاجة والهشاشة. وبخصوص الحلول، تحدثت منكوب عن حلول قصيرة المدى وأخرى بعيدة المدى. يتعلق بعضها بمدى القدرة على تنويع المصادر والإجابة عن الأسئلة الآنية، في حين تركز الثانية على تطوير الإنتاجية والنجاح في تقليص الاعتماد على الخارج. كما تحدثت الوصيف عن بلدان معروفة بنجاحها في ضمان الأمن الغذائي، وقالت، إن الولايات المتحدة، مثلاً، طوّرت من نجاحاتها بفعل المكننة؛ داعية أفريقيا إلى الاستثمار في البحث الزراعي لتطوير الإنتاجية، وتوسل تكنولوجيا ملائمة للسياق المحلي. كما تطرق النقاش إلى الأسمدة، حيث تم التأكيد على قيمتها بالنسبة للإنتاج الزراعي، غير أنها لا تعد كافية وحدها، وتحتاج إلى أن يتم إرفاقها بشروط أخرى، كالتكوين ووضع سياسة ناجعة للري، والمعرفة الخاصة بطبيعة الإنتاج.
مشاركة :