'آزوري' تعري الواقع الوحشي لأطفال الشوارع في جنوب إفريقيا

  • 10/22/2022
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تدور أحداث رواية "آزوري" للروائي ك. سيلو دويكر في جنوب إفريقيا في فترة ما بعد الفصل العنصري وتصور الواقع الوحشي لأطفال الشوارع في جنوب إفريقيا، وذلك من خلال تتبع الفتى اليتيم آزوري البالغ من العمر اثني عشر عامًا وجهوده للبقاء على قيد الحياة في شوارع كيب تاون وسط عالم سفلي من العصابات وتعاطي المخدرات والعنف والدعارة . تتناول الرواية مواضيع جادة بما في ذلك الاستغلال الجنسي والفساد وتعاطي المخدرات. كرواية اجتماعية ـ سياسية، تنتقد الظلم الاجتماعي المستمر في جنوب إفريقيا ما بعد الفصل العنصري. الرواية التي ترجمها محمد أسامة وصدرت عن دار العربي تلقي الضوء بشكل متعمق لظاهرة أطفال الشوارع في جنوب إفريقيا الجديدة. على الرغم من أنه لا يوجد بلد في العالم بمنأى عن المشهد القبيح لأطفال الجرونج في خرق يتجولون في الشوارع، ويمسكون بوعاء التسول ويهتفون بالمارة بحثًا عن الصدقات، إلا أن حياة الشوارع في مدن جنوب إفريقيا كما تصورها الرواية قد اكتسبت زخمًا منذ زوال نظام الفصل العنصري. في هذا الصدد ، حيث تصور بعبارات لا لبس فيها الوجود الصعب لشباب الشوارع في جنوب إفريقيا، إن دويكر يقدم نقدًا لاذعًا، من خلال وصف جريء وقاس لما يعنيه أن تكون فتى شوارع في جنوب إفريقيا ما بعد العنصرية. وتعتبر الجنسانية موضوعًا بارزًا في الرواية من خلال مشاهدها العديدة للأفعال الجنسية المثلية، حيث يعيش آزوريعن طريق بيع الجنس للرجال الأكبر سنًا، وهو طريق ليس أكثر من تكتيك للبقاء ووسيلة لكسب المال، فعقب موت أبيه وأمه محترقين قبل 3 أعوام، لم يجد غير الشارع ليسكنه وينشأ بين أطفال الشوارع والعصابات في جنوب أفريقيا. يحكي لنا الفتى الأحداث على لسانه؛ نرى بعينيه كل ما يعانيه من معاملات البشر له من حوله من كل الطبقات وكيف يحاول أن يتعايش معها ويقاومها، على سبيل المثال كيف يحاول فتى راهق للتو أن يعتمد على نفسه ويكسب قوت يومه، مما يضطره لفعل أي شيء مقابل ذلك. تعرض للضرب والحبس والتجويع وسوء المعاملة لأيام متتالية دون أي ذريعة منطقية واضحة. تعرض للضرب لعدة أيام وحبسه في غرفة على سطح منزل،وسوء المعاملة لأيام متتالية دون أي ذريعة منطقية واضحة، وبدأ في الانضمام إلى العصابة ضد إرادته وأطلق عليه اسم "الأزرق". يتعلم أن الأموال التي افترض أنها آمنة في حساب مصرفي قد سُرقت. مع انتقال الرواية إلى فصولها الأخيرة، تتخذ القصة نغمة فولكلورية أسطورية. تتجاوز الواقعية الصارخة للحساب السابق عتبة الواقعية السحرية. للهروب من أهوال المدينة يقوم آزوري بالصعود إلى منحدرات جبل تيبل حيث سيقضي عدة ليال حالما بتغيير مسار حياته حيث يجد بداية طريق ينأى به من الحياة التي وجد نفسه فيها محاصرًا طوال عمره، تنتهي الرواية لكن صوت آزوري لا يزال باقٍيا، إنه صوت الأمل في القادم. يذكر أن ك. سيلو دويكر مؤلف هذه الرواية الحائزة على جائزة الكومنويلث للكتاب الأول، ولد في جنوب أفريقيا عام 1974، تلقى تعليمه في ذروة الفصل العنصري بجنوب أفريقيا. تم إرساله إلى مدرسة ابتدائية كاثوليكية خارج البلاد ثم أكمل تعليمه بمدرسة "ريدهيل" بجوهانسبرج.سافر بعد ذلك إلى إنجلترا للالتحاق بمدرسة "هنتنجتون". عاد إلى جنوب أفريقيا حيث التحق بالجامعة لدراسة كتابة النصوص الإعلانية. ثم درس الصحافة في جامعة "رودس" في جنوب أفريقيا. والتحق لفترة وجيزة بجامعة "كيب تاون" وتم طرده من الجامعة.أدمن المخدرات فخضع للعلاج بمستشفى للأمراض النفسية. وبعد خروجه، بدأ في كتابة السيناريو والإعلانات وكانت أولى رواياته هذه "آزوري" التي نُشرت بعنوان "13 سنتًا" وحازت على جائزة "الكومنويلث" عن العمل الأدبي الأول فرع أفريقيا 2001. ثم رواية "العنف الهادئ للأحلام".وبعدها أصيب بانهيار عصبي، مما دفعه للانتحار شنقًا في يناير عام 2005. مقتطف من الرواية لم أجد "ليزيل" عند الجسر. فتسكَّعتُ حول متجر "ما زاكيس" بصُحبة "سيلي" الذي اشترى لي شراب شعير، وأعدَّ لي سيجارة حشيش. قال ناصحًا: - احذر الخنازير. - لا تقلق فأنا حذر. - أين كنت الليلة الماضية؟ - لماذا؟ - كان "جيرالد" في سيارة الأجرة الخاصة به مع شاب آخر، ونعته ذلك الشاب بالسائق، ففتك به "جيرالد". - مَن هذا الغبي؟ - إنه فتى "ليزيل". أنت تعرفه. يظن نفسه قويًّا لكونه فردًا في عصابة "هارد ليفينجس". - نعم، أعرفه. إنه مُغفَّل حقيقي. - أراهن أنك مُعجب بـ"ليزيل". - ماذا تقصد؟ - كف عن الهراء. أنت لا تشتري الحشيش إلا منها. - نعم، فهي لا تضطرني إلى الانتظار كما تفعلون. - يا لك من مُحتال! بل ترغب في مُضاجعتها، هذا كل ما في الأمر. - غير صحيح. - أنت إنسان ماكر. لا يعرف أحد فيما تفكر. أشعل سيجارة الحشيش وأخذ نفسًا طويلًا.. بلغت مسامعنا أغنية "شيبوبو" لفريق "تكزي" آتية من متجر "ما زاكيس". دخنت الحشيش وكتمته في فمي، هزَّ "سيلي" رأسه مع إيقاع الأغنية، كان راقصًا ماهرًا، يمكنه التفوق على أي شخص، وله أسلوبه الخاص؛ لذا يميل إليه "جيرالد". وصل "جيرالد" بسيارته الـ"فورد جرانادا" البيضاء. أصدر ضوضاء صاخبة قبل أن يتوقف أمام كوخه، غير بعيد عن موضع جلوسنا. وصاح "جيرالد" وهو يغادر السيارة: - هيَّا ارقص يا "سيلي"! - حسنًا يا "جيرالد"! نهض "سيلي" للرقص. بدأت أُشاهده من على الدكَّة، تختلط قدماه وتتشابكان على رقصة "البانتسولا"، بينما تعلو وجهه نظرة ناعسة أنيقة. وقبل سيره نحو "جيرالد" ناولني السيجارة وقطعة حشيش أخرى. - لا تشربها كلها، إياك أن تفعل. شربت السيجارة إلى أن لسعت النار أصابعي. أعقبت "شيبوبو" أغنية أخرى لـ"تكزي" لا أذكر اسمها. لففت سيجارة جديدة، تاركًا قطعة حشيش لـ"سيلي" الذي اختفى داخل كوخ مع "جيرالد". دخَّنتُ السيجارة ببطء، منتظرًا عودته بصبر، فانتهى بي الأمر إلى شرب الحشيش كله. سالت الأفكار في رأسي كالماء. جلست منصتًا إلى ضوضاء المقيمين أسفل الجسر. كان كل شيء مُشوَّشًا. اقتربت منِّي طفلة عارية تمامًا، جلست على الدكَّة إلى جواري، حدَّق كل منَّا في الآخر فترة من الزمن، مع ابتسامة غبية تحتل وجهي. - أيتها الصغيرة! ارتدي ملابسكِ أيتها الحمقاء! صاح "جيرالد"، فأسرعت الطفلة مبتعدة. - ماذا تنتظر؟! جاءني سؤاله من أعلى. لم يكن "سيلي" قد غادر الحجرة بعد، لكني لمحت حمامة تحوم فوق كوخ "جيرالد". إن الشر باقٍ إلى ما لا نهاية. أجبته بشيء من الارتباك: - "سيلي". - بماذا ناديتني أيها المعتوه؟ - معذرة، لم أقصد ذلك يا "جيرالد". - بالتأكيد لم تقصد ذلك، سأُمزِّقك، أنا لست بزنجي أيها اللعين. قالها، ولَكَمَ وجهي، فعُدتُ إلى ما غبتُ عنه من وعي. سقطتُ أرضًا، لكنني تحاملت على نفسي، ونهضت مسرعًا للهرب. ركضتُ مبتعدًا بأقصى سرعة. وعلى بُعد أبنية قليلة من الجسر انتبهتُ إلى قدمي الحافيتين. انتظرت ما لا يقل عن خمس دقائق قبل العودة. لم يكن "جيرالد" هناك، هكذا ظننت، بينما ظلت سيارته في مكانها. التقطتُ الشبشب، وبدأتُ أركض. - أنت، توقف! سمعت نداءه من خلفي، لكنني واصلتُ الهرب. وفور الابتعاد عن الجسر، أبطأت وحاولت تمالُك أعصابي. حين شعرت بالظمأ، قصدت مرحاضًا عموميًّا في شارع "بري". هناك نظر إليَّ حارس أمن يعمل قرب ساحة وقوف السيارات بطريقة مضحكة، كأنني لص، أو ما شابه، لكنه تركني وشأني. كان ماء الحوض ساخنًا يوشك على الغليان، عانيت لغسل وجهي، وشربت حتى امتلأت معدتي وتجشَّأتُ. عندها تنهَّدتُ وشعرت بالانتشاء مجددًا. كانت حرارة الهواء والرطوبة لا تُحتمل. تجرَّعت رشفة كبيرة أخرى، مصغيًا هذه المرَّة إلى صوت مرور الماء المنعش في حلقي. لكم أحب الماء! فكَّرت في ذلك وأنا أنظر في المرآة، لكنني لا أحتمل إطالة النظر في المرآة، فزُرقة عيني تُذكِّرني بما تُثيره في أذهان الآخرين. لاحظت خيالًا ضخمًا يقترب من مدخل المرحاض. فشرعت في المغادرة لأجدني في مواجهة حارس الأمن وكلب "روتفيلر" مرخي الزمام. كان لديَّ قوة خاصة؛ علاقة ما تربطني بالكلاب، فمنذ أن عضَّني كلب للمرة الأولى وأنا في السابعة من عُمري لم تزعجني الكلاب قط.. شد الحارس وثاق الكلب وأرخاه مرَّات عدَّة دون جدوى. أما أنا فلم أنطق بكلمة، فقط سرتُ مبتعدًا. سرتُ في شوارع المدينة هائمًا. مررت بالمحطة، والمكتبة، واستمتعت بقيلولة في الحديقة. لم يشغل بالي حينها غير التمتع بانتشائي. طارت فوقي حمامات سمينات وأنا مُستلقٍ فوق العشب، ربما كانوا مجرمين، أو سياسيين أنذال. اتخذ السحاب أشكالًا مختلفة، وتبخر في الهواء الساخن. سيكون تدخين سيجارة أخرى اليوم أمرًا لطيفًا، لكن لا يسعني العودة إلى "جيرالد" خاوي اليدين. سرتُ عائدًا إلى "سي بوينت"، حيث الهواء المشبع برائحة البحر.

مشاركة :