تحقيق إخباري: المصاعب الاقتصادية تلاحق راقصي التانغو في سوريا

  • 10/24/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بالرغم من قتامة المشهد في سوريا والظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي تمر بها البلاد، فإن رقص التانغو كان ومازال يشكل فسحة وملاذا آمنا لبعض الأشخاص في سوريا من متاعب الحرب وانعكاساتها السلبية، ويبدو في مرحلة لاحقة لم يعد هذا الملاذ كافيا لهم فمصاعب الحياة الاقتصادية والعقوبات الأمريكية كانت عائقا أمام أحلامهم الوردية في مواصلة التمتع بهذا الفن الجميل والراقي. والتانغو ،هو نوع موسيقي مصاحب لرقصات، أصله من بوينس آيرس بالأرجنتين ومونتيفيديو، والأرغواي وانتشر في العالم بعد ذلك. وفي سبتمبر من عام 2009 وإثر طلب تقدمت به الأرجنتين والأوروغواي ، وهما البلدان اللتان انتشرت بهما الموسيقى والرقصة في بادئ الأمر، أعلنت منظمة اليونيسكو أن رقصة التانغو تعتبر جزءا من "التراث الثقافي الإنساني غير الملموس" في العالم. وتتبلور مصاعب راقصي التانغو في سوريا في تأمين ملابس مناسبة وأحذية للرقص، مرورا في حظر مقاطع الفيديو الخاصة بموسيقى التانغو العالمية على الإنترنت للحصول على تقنيات الرقص ، وبالتالي هؤلاء الراقصون يسعون للحفاظ على فنهم المحبوب حيا في بلد بات الناس في الوقت الحاضر لا يفكرون إلا في تأمين الطعام على الطاولة بعد فرض الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات جائرة ، ولم تترك لهم أي نافذة يتنفسون منها. ويلتقي راقصو التانغو في سوريا يبن الحين والأخر في مكان ما، ويمارسون الرقص كوسيلة للتخلص من ضغوطات الحياة التي فرضتها ظروف الحرب، ويسمحون للموسيقى بالتغلغل إلى أعماق نفوسهم للهروب من الواقع الأليم. وفي قاعة التانغو بأحد المراكز بالعاصمة دمشق، اجتمع محامون وأطباء وممثلون كي يتدربوا على رقص التانغو الأرجنتيني، والفرح والسرور يملأ قلوبهم. وقالت إحدى مدرباتهم هاسميك سلكيان، لوكالة أنباء ((شينخوا)) "إن التانغو لا يزال على قيد الحياة في سوريا، رغم أن المزيد من الراقصين يغادرون البلاد بسبب الصعوبات الاقتصادية". ولفتت إلى أن سوريا كان لديها نحو 250 راقصة تانغو حتى قبل عامين، مضيفة أنه في العامين الماضيين تضاءل العدد إلى 120 راقصا، مشيرة إلى أنه منذ بداية عام 2022 غادر نحو 65 راقصا البلاد ، بسبب الظروف الحياتية الصعبة. وقالت هاسميك سلكيان إن راقصي التانغو في سوريا لديهم رسالة إنسانية تتمثل في الفن والسلام وليس المال، لكنها قالت إن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة جعلت من الصعب على هؤلاء الراقصين الاستمرار في شغفهم بعد أن تأثرت سبل عيشهم بالوضع المالي المتدهور. وأضافت "للأسف، أن العقوبات ليست اقتصادية فحسب، بل سياسية أيضا، حيث رفض مدربون من خارج سوريا الحضور والمشاركة في الأحداث هنا في ظل العقوبات". من جهته، قال فؤاد البيلاني، وهو مدرب رقص تانغو آخر، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إنه على الرغم من أن التانغو هو شكل من أشكال الفن ، إلا أنه تأثر بالأزمة السورية كأي جانب من جوانب الحياة. وأضاف أنه تم إلغاء العديد من الأنشطة والمهرجانات والفعاليات مع اندلاع الأزمة منذ أكثر من 11 عاما. وأشار البيلاني إلى أن العقبة الرئيسية التي تواجه راقصي التانغو هي عقبة مالية بسبب الفجوة الكبيرة بين العملات المحلية والأجنبية والصعوبات التي تواجه ترتيبات سفر الراقصات السوريات. وقال إن الظروف المعيشية الصعبة تدفع الناس بعيدا عن الفن بشكل عام وأن التانغو ليس استثناء لأن الناس في الوقت الحاضر لديهم أولويات أكثر أهمية مثل كسب لقمة العيش. وتابع "بالنسبة للعديد من الأشخاص، يعد التانغو شيئا ثقافيا ليس مهما جدا، لكننا نقول إن التانغو مهم جدا مثل الطعام وضروريات الحياة الأخرى لأنه غذاء للروح". لكن على الرغم من هذا اليأس، فإن المدربين والراقصين ينسون كل شيء عندما يبدأون تدريباتهم، وعندما تبدأ الموسيقى، ترى مشهدا مختلفا تماما، فالناس يبتسمون، ويرتدون أفضل ملابسهم، ويحافظون على المشاعر الإيجابية. وفي أحد البيوت في الحي الدمشقي القديم، كان الراقصون يرتدون جميعا ملابسهم، وهم مفعمون بالحيوية والفرح، حيث أقيم الحفل في أحد المنازل القديمة في ذلك الجزء من العاصمة، مما يضفي على الأجواء إحساسا بمجد أيام زمان. واستمرت الموسيقى لمدة ساعتين وتناوب الراقصون، في إظهار مهاراتهم، خلال هاتين الساعتين، حيث نسي الجميع بالداخل أنهم ما زالوا في سوريا، وبدا المكان كما لو كان من فيلم قديم بالأبيض والأسود يدور حول الموسيقى والرقص والضحك أثناء الاستمتاع بالموسيقى. وقالت وئام الخوص، وهي ممثلة، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إنها خلال الذهاب إلى مكان التدريب أصبحت مرتبطة جدا برقصة التانغو لأن الموسيقى أنقذتها في بداية الأزمة. وأضافت "اعتدت أن أنهي عملي وأذهب لحضور التدريبات والاستماع إلى الموسيقى، ومع مرور الوقت، بدأت أشعر أن جسدي يتحرك مع الموسيقى وذلك عندما أدركت أن التانغو هو ما أحتاجه لحماية سلامة عقلي وسط الأزمة ". وقالت وئام الخوص إن إيقاعات الموسيقى مثل الحياة، وهناك تقلبات، معتبرة أن التأرجح مع الموسيقى يعلم الشخص كيفية الرقص مع الحياة والتكيف مع تقلباتها. بالنسبة لوئام الخوص، كانت رقصة التانغو سهلة لأنها ممثلة، لكن بالنسبة لغزوان مالكي، وهو راقص تانغو آخر، كان بعيدا عن مهنته كمحام، وكان ذلك، حسب قوله، جمال التانغو كما هو للجميع. وقال إن التانغو هو فن أنيق يساعدك على التفكير بشكل صحيح والخروج من الصندوق الذي تعيش فيه، بغض النظر عن أي أزمة، عندما تستمع إلى الموسيقى تشعر وكأنها تحتضنك، وهذا يمنحك سلاما داخليا والقدرة والطاقة الإيجابية على الاستمرار.

مشاركة :