أثار مسلسل «الضاحك الباكي»، الذي يقدم سيرة الكوميديان الرائد، نجيب الريحاني، مع بداية عرضه التلفزيوني في مصر اهتماماً وجدلاً واسعين ما بين ترحيب بالغ به باعتباره يعيد دراما السيرة الذاتية للشاشة الصغيرة، وانتقادات حادة من جانب الكثير من النقاد والجمهور بسبب ما رأى هؤلاء أنه «سوء اختيار لفريق العمل». ويتناول العمل قصة حياة الريحاني، بداية من ميلاده عام 1889 وحتى رحيله 1949، وهي حقبة زمنية مهمة ترتبط بتحويل الكوميديا من الإسكتشات إلى كوميديا الإنسانية، علاوة على ظهور العديد من الفرق الفنية التي ساهمت في إرساء الحركة المسرحية المصرية مثل فرقة عزيز عيد وجورج أبيض، كما يتطرق إلى مجموعة من أبرز الشخصيات المصرية التي عاصرته، ومنهم سيد درويش، وبديع خيري، وروزاليوسف، وإستيفان روستي، وفاطمة رشدي، ويوسف وهبي، وبديعة مصابني، ومنيرة المهدية، وطلعت حرب، وسعد زغلول، وغيرهم. ويشارك في بطولة المسلسل عدد كبير من الفنانين منهم عمرو عبد الجليل (يؤدي دور الريحاني)، ورزان مغربي، وفردوس عبد الحميد، وهاجر الشرنوبي، ومن تأليف محمد الغيطي، وإخراج محمد فاضل. وبدأ الهجوم على المسلسل مع عرض أولى حلقاته، حيث نشر معلقون على مواقع التواصل الاجتماعي تعليقات تعكس حالة من الإحساس بالإحباط تجاهه بعد انتظار طويل للعمل الذي تأجل أكثر من مرة بسبب مشكلات إنتاجية، كما أنه أعاد المخرج محمد فاضل إلى الدراما بعد غياب 10 سنوات. وذهبت انتقادات لأجواء العمل التي وصفت بأنها بعيدة عن واقع المجتمع في الفترة التي يجسدها، فضلاً عن اختيار الأدوار، لا سيما أداء الفنانة فردوس عبد الحميد دور والدة نجيب الريحاني الذي ظهر في بداية العمل طفلاً صغيراً، بينما يبلغ شقيقه الأكبر نحو 16 سنة؛ ما يتطلب أن تؤدي دور والدته سيدة على الأكثر في الثلاثينات، وهو أقل من عمر الفنانة. من جهتها، ترى الناقدة ماجدة خير الله، أنه رغم صعوبة الحكم على المسلسل في بدايته، وأنه لا ينبغي التعجل في إبداء أي رأي تجاهه، إلا أنه من اللافت أن مسألة «تسكين الأدوار» فيها الكثير من عدم التوفيق. وقالت خير الله في حديثها إلى «الشرق الأوسط»، إن «من أبرز مشكلات اختيار فريق العمل دور الفنانة فردوس عبد الحميد؛ فهي لا تناسب الشخصية التي تؤديها، وهي بلا شك ممثلة في حد ذاتها جيدة، لكن الممثل الجيد يكون كذلك حين يوضع في دور يناسبه من حيث السن والمنطق، فيجيد أداءه». وتضيف «أرى وأبدى كثيرون غيري الرأي نفسه، أنه من الصعب تقبّل أن تكون الفنانة فردوس عبد الحميد أماً لطفل رضيع وقد تعدت الستين من عمرها؟». وواصلت «لا يقتصر الأمر على ذلك، إنما هناك ممثلون آخرون غير ملائمين لأدوارهم، ومنهم الطفل الذي يقوم بشخصية نجيب الريحاني في طفولته، فهو غير مناسب إطلاقاً، وتتنافى روحه وشخصيته مع خفة ظل الريحاني وميله للضحك والدعابة، فكيف يمكن لهذا الطفل بسماته التي ظهرت على الشاشة عندما يكبر أن يصبح فناناً كوميدياً ذائع الصيت مثل الريحاني؟!». وحول بعض الجمل والعبارات التي انتقدها رواد التواصل الاجتماعي باعتبار أنها لم تكن متداولة في المجتمع المصري في ذلك الوقت ما أبعده عن أجواء الفترة الزمنية التي يتناولها قالت «لا نستطيع أن نحكم على المسلسل من خلال بعض الكلمات أو الجمل فلربما تكون أخطاء صغيرة وحيدة، في عمل تحتاج إليه الشاشة الصغيرة؛ لأن العالم كله يحتفي بتقديم قصص رموز الفكر والفن والثقافة والسياسة فهذه مسألة مهمة خاصة للمشاهدين من الأجيال الجديدة، لكن في الوقت نفسه لا بد أن ينتبه صناع هذه الدراما بتنفيذها بشكل جيد بما يتلاءم مع عظمة هذه الرموز». ويتخطى المسلسل كونه سيرة ذاتية لأحد الفنانين البارزين إلى اعتباره عملاً اجتماعياً تاريخياً يرصد فترة زمنية مهمة مرت علي مصر من خلال حياة الريحاني، وفق الناقد محمود مطر، الذي يقول «لا أرى سبباً لهذا الهجوم العنيف على العمل وهو لا يزال في حلقاته الأولى، ربما يكون ذلك هو نصيب الأعمال الكبيرة التي تتناول حياة النجوم والمشاهير الذين ارتبط بهم الناس طويلاً، وكأن الجمهور يرفع شعار (لا مساس بمن أثرى حياتنا فناً وجمالاً)». وأضاف مطر «رغم وجود بعض وجهات النظر المنطقية، فإن على الجمهور الانتظار حتى يتم عرض عدد معقول من الحلقات، فمن المنتظر لعمل يتناول قصة رمز فني مثل الريحاني بحياته الغنية المليئة بالدراما والصراعات أن يكون مشوقا خاصة لمخرج كبير مثل محمد فاضل صاحب التاريخ الدرامي المُشرف». وأشار إلى أن المسلسل يتضمن العديد من الخطوط الدرامية الثرية، حيث من المنتظر - وفق صناعه - الكشف بعض أسرار الفنان الذي لا تزال أعماله تلقى عند عرضها تقديراً بالغاً، كما يتناول العديد من حكايات وقصص الفن والمسرح، إضافة إلى تسليط الضوء على الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية لمصرفي نهاية القرن الـ19 وبداية الـ20، حيث يجسد الحياة السياسية مثل ثورة 1919، والحربين العالميتين الأولى والثانية، ودستور 1923».
مشاركة :