الدوحة/برلين - استدعت وزارة الخارجية القطرية اليوم الجمعة السفير الألماني كلاوديوس فيشباخ وسلمته مذكرة احتجاج على تصريحات وزيرة الداخلية نانسي فيزر بشأن استضافة قطر لكأس العالم 2022، في تطور ينذر بأزمة بين البلدين ويرخي بظلال ثقيلة على زيارة مقررة تعتزم الوزيرة الألمانية القيام بها للدوحة الاثنين المقبل. كما تأتي هذه التطورات في ظل محادثات صعبة بين برلين والدوحة حول مدة الاتفاقات المتعلقة بالغاز الطبيعي المسال، والتي طالب المستشار الألماني أولاف شولتس خلال زيارة قام بها لقطر في سبتمبر/أيلول الماضي بتنشيطها وإعطائها زخما أكبر بما يسمح بتحقيق تقدم. وتواجه الإمارة الخليجية قبل بضعة أسابيع من انطلاق أكبر فعالية كروية في العالم، انتقادات متجددة على خلفية سجلها في حقوق الإنسان والذي تفجر قبل سنوات بعد تقارير أشارت إلى وفاة العشرات من العاملين الأجانب في منشآت المونديال بسبب ظروف العمل في درجات حرارة مرتفعة جدا وبسبب طول ساعات العمل فيما كانت الدوحة تسابق الزمن لتكون تلك الملاعب جاهزة قبل فترة من انطلاق فعاليات كأس العالم. وتشهد ألمانيا ذاتها هذه الأيام جدلا سياسيا ورياضيا حول استضافة قطر لمونديال 2022 فجرته وزيرة الداخلية الألمانية المكلفة بملف الرياضة والتي انتقدت سجل قطر في مجال حقوق الإنسان خلال مقابلة مع إحدى الإذاعات المحلية. واعتبرت نانسي فيزر التي تكلمت باسم الحكومة الألمانية، في مقابلة مع قناة 'ايه ار دي' حق استضافة الدوحة لمونديال 2022 "خادع للغاية"، مشيرة إلى أن "هناك معايير ينبغي الالتزام بها وسيكون من الأفضل عدم منح حق استضافة البطولات لمثل هذه الدول". وأوضحت أن من ضمن هذه المعايير احترام حقوق الإنسان و'مبادئ الاستدامة'، معلنة أنها ستحدد بعد زيارتها لقطر يوم الاثنين المقبل ما إذا كانت ستتابع مباريات كأس العالم أم لا. وليس واضحا ما إذا كانت الوزيرة الألمانية ستزور الدوحة بعد قرار الأخيرة الاحتجاج على تصريحاته وفي حال مضت في الزيارة فإنها ستواجه حتما بفتور مع الحساسية البالغة التي بات يثيرها ملف حقوق الإنسان في قطر. واستنفرت قطر مؤخرا للرد على سيل من الانتقادات يسبق المونديال ويعتبر تشويشا على الفعالية الرياضية التي دفعت الدوحة لضخ استثمارات ضخمة تحضيرا لها من المنشآت الرياضية إلى البنية التحتية والخدمات الصحية والفندقية إضافة إلى مسائل تتعلق بالوجستيك والأمن. وقامت بتدريب العشرات استعدادا للتعامل مع أكبر تظاهرة رياضية في العالم وهو تحد كبير على جميع المستويات خاصة وأن حجم الدولة المضيفة من حيث المساحة يعتبر صغيرا مقارنة بعدد الجماهير المقررة أن تتوافد عليها. ووقعت قطر وتركيا اتفاقية يتم بموجبها نشر نحو 3000 شرطي تركي على أن تكون المسائل الأمنية والحماية تحت إشراف إدارة تركية بالكامل بالتنسيق مع الجهات القطرية. وعلى الضفة الأخرى من موقف وزيرة الداخلية الألمانية وعددا من المنظمات الحقوقية، يقف رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم بيرند نويندورف على طرف نقيض، إذ أعلن في تصريحات لإذاعة 'إس دبليو آر' الألمانية معارضته لمقاطعة مونديال قطر. وقال بيرند نويندورف الذي من المقرر أن يكون ضمن وفد وزيرة الداخلية إلى الدوحة "عندما تبدأ بطولة كأس العالم في قطر سيكون التركيز على الجانب الرياضي، لكن يجب أن نكون واضحين في موقفنا إذا دار الحديث عن الأوضاع المجتمعية والسياسية في قطر". وأشار إلى أن هناك مسؤولية تقع على عاتق الاتحاد الألماني لكرة القدم والمنتخب الألماني، مشددا في الوقت ذاته على أنه يدعم فكرة تقديم تعويضات لعائلات عاملين توفوا في المنشآت الخاصة بالمونديل. وقال إنه تحدث مع جياني انفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في هذا الشأن وشدد على مسؤولية فيفا في هذا الشأن، إلا عبر عن اعتقاده بأنه سيكون من الصعب جدا مستقبلا منح حق تنظيم البطولة دون أن يتم أولا مناقشة ما يعنيه هذا الأمر(في إشارة لملف حقوق الإنسان)". واقترح أن يتم التعامل مستقبلا مع منح حق تنظيم البطولات من هذا المنظور كشرط من شروط منح حق استضافة مثل تلك الفعاليات. الدوحة - وضعت انتقادات دولية وجهت لقطر قبل أقل من شهر من انطلاق فعاليات مونديال 2022، الإمارة الخليجية في حالة استنفار مع تواتر الردود على تلك الانتقادات من أعلى هرم السلطة ممثلة بأمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وصولا إلى المسؤولين عن التنظيم، في محاولة لاحتواء تلك الضغوط مخافة أن تشوش على أكبر تظاهرة كروية في العالم ستشكل علامة فارقة بالنسبة للدوحة وحتى لمحيطها الإقليمي الذي من المتوقع أن يستفيد اقتصاديا من تلك الفعالية على اعتبار عدم قدرة قطر لصغر حجمها، على استضافة ما يزيد عن مليون ونصف المليون تقريبا من جماهير المونديال. وفي أحدث تحرك في مواجهة سيل من الانتقادات، ردّت 'اللجنة العليا للمشاريع والإرث' المنظّمة لمونديال قطر الخميس على الانتقادات التي وجّهها منتخب أستراليا في كرة القدم إلى الدولة الخليجية بسبب سجلّها في مجال حقوق الإنسان، مؤكّدة أنّ "ما من بلد مثالي". وتعقيبا على مطالبة المنتخب الأسترالي للدوحة بتحسين معاملة العمّال الأجانب وحقوق أفراد مجتمع الميم في الإمارة، قال متحدّث باسم اللجنة القطرية في بيان إنّ التطبيق "الصارم" لقوانين العمل يمثّل "تحدّياً" حتّى بالنسبة لأستراليا. ومن بين المنتخبات الـ32 التي ستشارك في نهائيات كأس العالم في قطر، كان المنتخب الأسترالي الأول الذي يصدر لاعبوه بيانا مشتركا يهاجم السجلّ الحقوقي للدولة المضيفة للمونديال. وقال لاعب الوسط جاكسون إيرفين في مقطع فيديو أدلى فيه 16 لاعبا بتعليقات "لقد أدركنا أنّ قرار تنظيم المونديال في قطر أدّى إلى التسبّب بمعاناة وأذى لعدد لا يحصى من زملائنا العمّال". وإذ أقرّ لاعبو المنتخب الأسترالي بالجهود التي بذلتها قطر لتحسين ظروف العمّال المهاجرين على أراضيها، شدّدوا على أنّ هذه التحسينات "لم تكن متّسقة". وحضّ الاتّحاد الأسترالي لكرة القدم بدوره الدولة الخليجية الغنية بالغاز على تليين موقفها من العلاقات الجنسية المثلية التي يجرّمها القانون الجنائي القطري. والخميس، قالت اللجنة العليا للمشاريع والإرث في بيانها "نشيد باستخدام لاعبي كرة القدم لمنصّاتهم من أجل التوعية بقضايا مهمّة"، مضيفة "لقد بذلنا قصارى جهدنا لضمان أن يكون لهذا المونديال تأثير في تحسين حياة الناس". وشدّد المتحدّث القطري على أنّ "حماية صحّة وسلامة وأمن وكرامة كلّ عامل يساهم في كأس العالم هي أولويتنا". وسلّطت اللجنة القطرية في بيانها الضوء على الإصلاحات التي أجرتها الدوحة في السنوات الخمس الماضية لناحية سلامة مواقع البناء وظروف العمل. وبالفعل، فقد أشادت اتحادات العمال الدولية والفيفا بهذه الإصلاحات، لكنّها مع ذلك دعت الدوحة إلى فعل المزيد على هذا الصعيد. وقال البيان القطري إنّه "غالبا ما يستغرق تنفيذ القوانين الجديدة والإصلاحات وقتا، والتطبيق الصارم لقوانين العمل يمثّل تحدّيا عالميا، بما في ذلك في أستراليا"، مضيفا "ما من بلد مثالي، وكلّ بلد - سواء أكان يستضيف أحداثا كبرى أم لا - لديه تحدّياته". ولم تأت اللجنة في بيانها على ذكر حقوق أفراد مجتمع الميم، لكنّها قالت إنّ "هذا المونديال ساهم في إرث من التقدّم والممارسة الأفضل وتحسين الحياة وهو إرث سيظلّ طويلا بعد آخر ركلة" لكرة القدم في المونديال. ومن المقرّر أن يضع قادة عدد من المنتخبات الأوروبية الرائدة في كرة القدم بما فيها إنجلترا وفرنسا وألمانيا على زنودهم شارات بألوان قوس القزح الذي يمثّل أفراد مجتمع الميم، وسيُكتب على هذه الشارات شعار "حبّ واحد" في حملة ضدّ التمييز خلال كأس العالم.
مشاركة :