كثيرا ما نردد أو نسمع عبارة «عين العقل»، وهي تعني في اللغة الدارجة الصواب، إذ لا يوجد ما يوضح لك الحقيقة أكثر من عقلك. مقالي اليوم عن كتاب «عين العقل» للكاتب (أوليفر ساكس) أستاذ طب الأعصاب والطب النفسي والذي ولد لعائلة جميعها من الأطباء والعلماء، وبالطبع ساهمت نشأته كثيرا في التأثير عليه. اهتم الكاتب بالحالات المصابة بالأمراض النادرة في الأعصاب كالعمى الإدراكي، وفي عام 2010 أصدر كتابه «عين العقل» والذي جذبني لقراءته ما يحتويه من قصص تجارب ذاتية للمرضى المعالجين عند الكاتب، وكان للكاتب نفسه قصة مع مرضه سردها في كتابه. الكتاب لم يكن كتابا علميا فقط ولا سيرة ذاتية للكاتب يحكي عن مرضه، بل شرح الطبيب الكاتب فيه كيف يتعامل العقل مع ما يصيبه من أضرار مفاجئة، وكيف يتكيف معها، وان للعقل قدرات مذهلة للتغلب على الإعاقة من خلال مشاركة دراسات حالات للأشخاص الذين تَعلَّموا التعويض والتكيف بعد الاضطرابات العصبية التي سلَبَتهم القدرةَ على تعرّف الوجوه أو القراءة أو الرؤية. من بين حالاته فنانة موسيقية أصبحت غير قادرةٍ على قراءة النوتة الموسيقية، حتى انتهى بها الحال إلى عدم القدرة على تعرُّف أغراض الحياة اليومية، والمؤلف نفسه يروي قصة مرض السرطان الذي أصاب عينه والآثار الغريبة لفقدان البصر بعد أن كان مبصرا. حتى لا يطول بي المقال، الكتاب يكشف الجوانب الإنسانية لتجارب صعبة يمكن أن يمر بها أي إنسان يداهمه المرض فجأة، فكيف للعقل أن يتمكن من الرؤية وأعيننا مغلقة، وفي بعض الأحيان لا نفسر الكتابة ولا الأشخاص ولكن نتذكر الأماكن وذكريات معينة بدقة في أحلامنا. الكتاب تطرق إلى السبل الجديدة المختلفة التي لا يمكن التنبؤ بها والتي تجدها أدمغتنا للإدراك، وخلق عوالم كاملة وغنية كالعالم الذي لم يعد مرئيا أو مفهوما. هذه دعوة إلى قراءة كتاب جديد سيغير الكثير من رؤيتكم.
مشاركة :