معالي الوزير، اسمح لي أن أغتنم سعة صدركم وحسن إنصاتكم في كتابة رسالتي الثالثة إليكم ولعلها تكون هذه المرة كالضوء الخافت في النفق من تعليمنا، والذي تحول إلى حقل تجارب على مدار عشرات السنين، ولا يستقر أبدًا على نظام يسير عليه كما في أغلب دول العالم المتقدمة منها أو من تسعى للحاق بركب التقدم من خلال تحسين جودة التعليم ومخرجاته والتي ستنعكس بدورها على هذا التطور القائم أو المبتغى. معالي الوزير، غالبية التغييرات التي تتم في التعليم تقع على عاتق العضو الأضعف في حلقة التعليم، وهو المعلم المسكين وكأنه هو السبب في قصور النتائج أو ضعف المخرجات. لقد تحمَّل المعلمون على مدار سنوات عدة عبء تعليم أولادنا وتهيئتهم لمستقبل أفضل لنا ولهم، ولكن -للأسف- انقلب الهرم وأصبح نقطة ارتكازه الضعيفة هو المعلم الذي يوضع دائمًا أمام المجتمع، ويصوَّر كأنه السبب في فشل النظام أو ضعف المخرجات، ودُفع به إلى معركة لم يكن مهيأً لها، فلا عصاه بقيت معه، ولا تقنياته طُوِّعت له، وبينهما أشياء وأشياء كأنها سد يأجوج ومأجوج. معالي الوزير، معلمنا الموقر رأس الهرم المقلوب، يتبع إداريًا مدير المدرسة، وتربويًا مشرفه التربوي، لا هو استطاع إرضاء هذا ولا مراضاة ذاك، المطاليب منه كثيرة والواجبات ثقيلة، مطلوب منه دفتر للتحضير وآخر للحضور والتأخير، وخطة عمل، ودرجات الطلاب، وأنشطتهم، ومتابعة سلوكهم، والمشاركة في المسابقات والأنشطة المدرسية، وحصص التقوية، وحصص سد الفراغ والتواصل مع أولياء الأمور، ووضع أسئلة الاختبارات، وأسئلة الواجبات وتصحيحها، وتجاوز الرخصة المهنية، والاختبارات التحصيلية، وبعد ذلك يتم تقويمه من مشرف ومدير، يراه كل منهما بعين غير الأخرى، ناهيك عن ربطه بتحصيل طلابه، والويل له لو ضعفوا أو خابوا. معالي الوزير، تعبت يداي وأنا أكتب وأسجل، وأخاف أن أسهب أو أقصر، أخاف أن أترك شيئًا لا أذكره فيعاتبني فيه الزملاء والذين أكرموني بفيض مشاعرهم بعد رسالتيَّ الأوليتين مما شجعني على تخصيص هذه الرسالة لهم. معالي الوزير، المعلم توضع له برامج تدريبية لا هو اختارها ولا شارك في إعدادها لتتوافق مع متطلبات عمله أو تنمية مهاراته نفسه، هذه البرامج أيضًا من وجهة نظر بعض المعلمين لا نفع منها لهم، فلا هم استُشيروا فيها، ولا أُشير لهم عنها، وقد سبق وأن توليت تدريب مجموعات منهم في التدريب الصيفي ووالله كنت أشفق عليهم، فقد كانوا يساقون إلى التدريب سوقًا وتظهر نظراتهم كنظر المغشي عليه من الموت، يتمنون نهايته قبل بدايته، والمصيبة الأعظم أن هذا التدريب لم يتم قياس أثره على المعلمين أنفسهم ولا على طلابهم، فقط التدريب من أجل تسديد الخانات، وأن كل شيء يسير بسياسة (كل شيء تمام معاليك). معالي الوزير، أين نحن من التدريب بالمعايشة، وأن يكون في كل مدرسة معلم خبير ينقل أحدث ما رآه وعايشه في الدول المتقدمة لزملائه المعلمين، ولا أقول زملاء التخصص الواحد، ولكن على مستوى المدرسة أو مكتب التعليم، وكل فترة نرسل آخر لينقل تجربة أخرى، ولا يوجد تضارب بينهما فقط التكامل والفوز بأفضل التجارب ودمجها في تعليمنا المتوعك. معالي الوزير، سيقولون لك تحسنت نتائجنا في الاختبارات العالمية، وهذا فعلا ما حصل، ولكن السؤال كيف حصل ذلك؟ لقد قمنا بتدريب الطلاب على حل مثل هذه الاختبارات، وكما يحدث في اختبار القدرات والتحصيلي غالبًا ما يختار الطالب الإجابة قبل قراءة السؤال، فأصبح الهدف هو تجاوز الاختبار وليس المعرفة والمهارة المكتسبة. معالي الوزير، رواتب المعلم لا تفي حاجته في ظل غلاء المعيشة وهو من يساعد وطننا على صناعة قادة المستقبل، فكيف يصنع قائدًا وهو يعمل طوال الوقت في أي عمل آخر يدر عليه مالاً ليفي حاجته، هذا المعلم يحتاج إلى تحسين وضعه الاقتصادي، وعمل شراكات بين الوزارة والجهات التمويلية المتعددة ليحصل على بيته وسيارته الخاصة بلا أي فوائد تقريبًا، وعند ذلك ستجد أوائل الجامعات يتسابقون إلى التقديم على العمل كمعلمين. معالي الوزير، شيوخنا الأفاضل الذين علَّمونا ووضعوا فينا عصارة خبراتهم وعلمهم أحيلوا للتقاعد فجلسوا في بيوتهم، وبقي علمهم بين فكيهم حبيس صدورهم، فلنستفد منهم ولو على سبيل الاستشارة، ضع مع كل مدير مدرسة مستشارًا تعليميًا من شيوخنا، وتفاهم مع القطاع الخاص على التعاقد معهم لتكون سياسة التعليم واحدة، واجعل لهم مرجعية مباشرة في مكتبك تجتمع بهم بحسب مناطقهم وتناقشهم وتسمع لهم، وتنقل لكم توصياتهم، وبإذن الله تكون بناءة لصالح التعليم. معالي الوزير، أستميحك عذرًا إن كنت قد أطلت، ولكني ابن لوطن يستحق أن يكون تعليمه قدوة ومثالاً للآخرين وليس سائرًا في دربهم.
مشاركة :