في تظاهرة ثقافية عنوانها الوفاء، احتضنت مدينة بيرن في سويسرا حفلاً خاصاً أقامته د. سعاد الصباح لتكريم الأديب والمفكر الليبي إبراهيم الكوني، وذلك ضمن احتفاليتها الدورية بــ (يوم الوفاء) الذي تكرم فيه رمزاً بارزاً من رموز الإبداع العربي الأحياء. وأكدت الدكتورة سعاد الصباح في كلمة لها في مستهل الحفل، الذي امتدت فعالياته على مدى يومي 31 أكتوبر و1 نوفمبر، وحضرته نخبة من أهل الثقافة والدبلوماسيين والإعلاميين وأركان السفارة الكويتية في سويسرا، والمندوب الدائم للكويت لدى المنظمات الدولية في جنيف، تخصيصها مُبادرةَ (يومِ الوفاء) منذ أكثرَ من ثلاثةِ عقودٍ لتكريمِ الرُّوادِ من المبدعينَ في الوطنِ العربيِّ في حياتِهم، أولئك السائِرون على دربِ العطاءِ.. الباذِلونَ ماءَ عُيونِهم لنا.. حِبْراً وحُلماً وحياة. وعن المحتفى به، قالت الدكتورة سعاد الصباح في كلمتها، التي ألقاها مدير الحفل الكاتب الروائي جمال العرضاوي نيابة عنها، قالت إن ” إبراهيم الكوني.. الأديبُ العربيُّ العالميُّ.. المرتحِلُ في الرملِ وفي الآفاق، حملَ صحراءه بين حَناياه، بعوالمِها الروحيةِ والسحريةِ والأسطوريةِ، فأدهشَ، وأبهَرَ، حتى الْتوَتِ الأعناقُ للتبصُّرِ في عوالمَ جديدةٍ لا عهدَ للناسِ بها، وأكبرَتْ صاحبَها الذي أبدعَ، ولوَّنَ، فصارَ رسولَ الصحراءِ إلى العالمِ، وحانَ وقتُ أنْ نقولَ له: شكراً. وأشارت إلى أن الكوني: “فجّرَ أنهارَ الصحراءِ في رواياتِهِ، فتكشّفتْ عن سِحْرٍ أخّاذٍ، وآفاقٍ رُوحيةٍ بلا ضِفافٍ، وعوالمَ من الأساطيرِ والدهْشةِ، وكنوزٍ من الحكمةِ ومُعادَلاتِ الوجودِ. أبدعَ روايةَ الصحراءِ، فتوهَّجَ بَريقُها ليسطعَ في نحوِ أربعينَ لغةً حيّةً في العالمِ، فهل نواصلُ دسَّ رؤوسِنا في الرمالِ، ونبخلُ عليهِ بــــ: شكراً؟ وأبدت الدكتورة سعاد الصباح فخرها بتكريم المبدع الكوني، قائلة: “إنني أتشرَّفُ بتكريمِ هذه القامةِ السامقةِ، آملةً أن يُفضيَ هذا التكريمُ إلى التفاتِ وطنِنا العربيِّ إلى أبنائِهِ المبدِعين، واحتضانِهم، والإفادةِ من إبداعاتِهم، كما فعلَ -ويفعلُ- الغربُ. كما أسعى، وأكرِّرُ، وأحرّضُ من خلالِ هذا التكريمِ، وما سبقَهُ من مناسباتٍ مماثِلةٍ، إلى الإقلاعِ عن عادتِنا العربيةِ الحزينةِ، المتمثلةِ في عدمِ تكريمِ المبدعين إلّا بعد وفاتِهم، فهل أجملُ وأبهى من تكريمِهم في حياتِهم، وإشعارِهم بتقديرِنا واعتزازِنا بما بذلوهُ من جُهدٍ، وما قدَّمُوهُ من عطاءٍ سيبقى منارةً للأجيالِ؟”. رمز الوفاء من جانبها، عبّرت الشيخة شيماء عبدالله المبارك، التي مثّلت والدتها الشيخة الدكتورة سعاد الصباح في الحفل، عبّرت عن سعادتها بهذا التمثيل، فقالت: “إنّه لَيُشرِّفُني أنْ أُمثِّلَ الشخصيّة، التي كانتْ وستظلُّ في عَيني رمزاً مِن رموزِ هذا الزمن، الوالدةُ الغاليةُ الدكتورة سعاد الصباح في مُبادرةِ الوفاءِ هذهِ، وهي التي كانت دوماً توصينا بالوفاءِ للآباءِ، للمعلمينَ، للوطنِ، وحتى للزمن. ويُشرِّفُني، أيضاً، أنْ أُمثِّلَها في أحبِّ الأمورِ إلى قَلبِها / الثقافةِ التي عاشَتْ لها وبها، وكانتْ راعيةً لها طوالَ عُقودٍ مَديدة. وعن المحتفى به، قالت: “كم أنا سعيدةٌ أنْ أكونَ اليوم، في هذا الحَفْلِ الثقافيِّ، لأنوبَ عنها ، في تكريمِ مبدعٍ أصبحَ بفكرِه وأدبِه مَحطَّ فخْرٍ واعتزازٍ لنا جميعاً ، فهنيئاً لنا، وهنيئاً لثقافتِنا العربيةِ برائدٍ مثلِه، وكلُّ الأملِ أنْ يتألَّقَ يومُ الوفاءِ دائماً في تكريمِ الرُّوادِ أكثرَ فأكثرَ، وتَسمو هذه المبادرةُ في حياتِنا لنُقدِّمَ شكراً كبيراً لكلِّ مَنْ سهرَ وتعِبَ، واجتهد ليُنيرَ حاضرَنا ومستقبلَ أجيالِنا”. كتاب ووتر وشهدت فعاليات اليوم عدد من الكلمات المختصرة لأصدقاء الأديب إبراهيم الكوني، كان منها كلمة للشاعر الكبير أدونيس، الذي آثر أن تكون كلمته قصيدة، نقتطف منها المقاطع التالية: يخرج الوقت من ليل غاباته برعماً برعماً يتساءل: ماذا- ما لهذا الفضاء؟ مريض يتعكز، عكازه الغبار هكذا، بين نار ونار * * * يقرأ الرمل ميثاقه في كتاب الأبد، ضاحكاً، هاتفاً: إنه الزمن- الموج، يلهو صاعداً هابطاً في سرير الزبد * * * ما أحن الفضاء، وها هو يولم للشهب السابحات، وها نجمة – زهرة تكلل رأس القمر إنها آية الطبيعة: وحي الشجر كل جذع كتاب كل غصن وتر. مبادرة شجاعة في كلمته، عبر المحتفى به المبدع إبراهيم الكوني، عن امتنانه ” للمبدعة الكبيرة، والمربية الحكيمة، صاحبة السمو د. سعاد الصباح، على مبادرتها الشجاعة القاضية بالاعتراف في حق رموز الثقافة العربية، وهم قيد الحياة، ليكون لي شرف الانتماء إلى ملّة هؤلاء، آملاً أن يكون هذا الامتنان بمثابة شهادة مني على إكباري لحجم الاعتراف”. واستفاض الكوني في كلمته عن الاغتراب، ومفهومه الخاص للاغتراب، كونه أمضى جل حياته مغترباً، وخبر وجوه الاغترابات، ولذلك يقول: “الاغتراب عن الأوطان ليس أرذلها، إذا ما قورن بالاغتراب عن الهوية الثقافية، أو الاغتراب عن حجة وجود هي اللغة الأصلية، أو الاغتراب عن واقع الأمة المنسية، لتغدو هذه الحمولة الاغترابية رأسمال النص، الذي سيتحول فردوساً مستعاداً، بديلاً عن الفردوس الضائع، المختزل في حزمة الفراديس المفقودة، بفضل تجربة هجرية، ذخيرتها سيرة اغترابية في سبيل الفوز بخلاص هيهات أن يتحقق بدون التضحية بسعادة الباطل، لنيل الحرية في ما اعتدنا أن نسميه: أداء الواجب!”. وعن معادلة الاغتراب والإبداع والوطن ، قال: ” لا نبدع في الواقع إلا لكي نتغنى بالوطن، كي نهوّن على أنفسنا الحنين لهذا المعبود، بل لم نكن لنرتضي الاغتراب مقاماً، إلا لكي نحيي في نفوسنا روح الوطن، لأنه يختزل حبنا للآباء، للأبناء، للأقرباء، للأخلاء، فيضيف إلى هذه القائمة السخية حباَ آخر، أعظم شأناً، وأقوى حجة، هو الحب الغيبي لمكان قدسي هو مسقط الرأس، مما يجعل كل إبداع في وجودنا، ضرباً من اعتراف حميمي ومحموم، في حق الامتنان لهذا اللغز الأبدي، فلا نبخل عليه بنزيف الروح، فكيف نبخل بنزيف البدن؟”. بدوره، ألقى الناقد والمفكر والأكاديمي (ريتو زورغ) كلمة، كصوت سويسري عبر عن رأيه بالمبادرة وبالمحتفى به، أشاد فيها بإطلاق ورعاية الدكتورة سعاد الصباح لمبادرة يوم الوفاء، مثمناً تنكبها شخصياً عناء هذا الحمل مادياً ومعنوياً، وهو حمل تئن منه الحكومات. كم أثنى زورغ على المبدع الليبي إبراهيم الكوني، لافتاً إلى أنه تمكن بإبداعه الخلاّق من أن يحجز لنفسه حضوراً رائداً في أوساط القراء ومناهج الجامعات الغربية. فيديوهات اشتملت فعاليات اليوم الأول، أيضاً، على عرض عدد من الفيديوهات القصيرة، أولها استعرض حيثيات إطلاق الدكتورة سعاد الصباح لمبادرة (يوم الوفاء) منذ أكثر من ثلاثة عقود، ورحلة هذه المبادرة التي زارت الكثير من أقطار الوطن العربي للاحتفاء بالأحياء من المبدعين الرواد، الذين أمدوا الثقافة العربية بفكرهم وأدبهم. وقد أظهر الفيديو أن التكريم شمل الرواد في مختلف مجالات المعرفة: التعليم والأدب والفكر والإعلام والفلسفة والفلك وغيرها. واستعرض الفيديو الثاني السيرة الثقافية للشيخة الدكتورة سعاد الصباح على مدار أكثر من خمسين سنة، برزت فيها في كل المحافل الثقافية على امتداد الوطن العربي، كمبدعة وداعمة للكثير من الهيئات والمؤسسات والمنابر الثقافية، وكمشاركة فاعلة في العديد من المؤتمرات والندوات في مختلف أقطارنا العربية، إضافة إلى رصدها، ومنذ ثمانينات القرن الماضي، جوائز سنوية لتشجيع المبدعين من الشباب العرب، الذين غدا الكثير منهم أعلاماً في المشهد الثقافي العربي حالياً. وعن المحتفى به الكاتب إبراهيم الكوني، تم عرض فيديو أظهر مسيرة هذا المبدع، وترحاله في العديد من الدول، وجهده الدؤوب الذي أسفر عن تأليف ما يزيد على المئة كتاب، في حقول الرواية والدراسات الأدبية والنقدية واللغوية والتاريخية والسياسية، فتميز كأديب، كما تميز كأنثروبولوجي، ومؤرخ، وصاحب فكر خاص ترجمت مؤلفاته إلى نحو أربعين لغة في العالم، وباتت تدرّس في العديد من الجامعات الدولية المرموقة. كما تضمن الحفل، في فعاليات يومه الأول، تقديم درع وشهادة تكريم للمحتفى به المبدع إبراهيم الكوني، إضافة إلى توزيع كتاب في جزأين، أعدته ونشرته دار سعاد الصباح بمناسبة التكريم، تضمن مقالات ودراسات ألقت الضوء على حياة الكوني والمؤثرات الثقافية التي طبعته، وأبرز المحطات في مسيرته التي شملت العديد من الدول، ومراحل تدرجه وتطوره فكراً وأدباً، ناهيك عن الملامح التي طبعت شخصيته وما يؤمن به من معتقدات وأفكار، إضافة إلى بحوث لنخبة من النقاد والمفكرين والأكاديميين، سعت إلى مقاربة مؤلفاته الأدبية والفكرية، وإبراز ما تميزت به من سمات وتقنيات. هذا، وستتواصل فعاليات الحفل في اليوم الثاني بإقامة ندوتين نقاشيتين حول إبداع الكاتب إبراهيم الكوني، إحداها ستكون باللغة الألمانية. The post سعاد الصباح تكلل المبدع إبراهيم الكوني بتاج (الوفاء) في سويسرا appeared first on صحيفة الأنباء العربية (آن) aan-news .
مشاركة :