يكشف الشاعر العراقي أوس حسن عن العديد من المفارقات الإنسانية لفهم العالم، مثيرًا الملاحظات حول سقوط الإنسان في فخ التكرار ومراكمة الأشياء. كما يسلط أفكاره حول الصخب والوحدة والحزن، والوجود والتفكير، ومفاهيم أخرى تضع تفسيرات مختلفة للوجود الإنساني، خلال مجموعته الشعرية "كتاب الأخطاء" الصادرة حديثا عن دار النهضة العربية في بيروت، ضمن سلسلة أصوات الشعرية، 2022. وفي المجموعة يكتب أوس حسن عن المجيء الإنساني للكون، وعن المشاعر المرافقة للتحولات والتغيرات، مبينًا فكرة التكرار في الحياة والسلوكيات مهما تغير الزمن. ويؤكد الشاعر على هدفية الكون وانتفاء عبثيته، مبينًا أن كل حدث يدور حول فكرة ما، وكل فكرة تنطلق من فكرة أصغر، حتى الكائنات الدقيقة "الأميبيات" تشارك في هذا المسرح الكبير لتصنع معنى العالم، عبر التناقضات والتداخلات. ويفتح الشاعر من جانب آخر، الباب للتفكير في الصدفة وتكوينها والمعنى المنبثق عنها، وكذلك يجسر عبر صوره التأمل في الرحيل ونسيان المرء عبر تراكم المواقف والأزمنة. ويمكن الوقوف أمام تجربة تجريد الأشياء من الأسماء المعتادة، ومنحها بطريقة ذاتية أسماء أخرى، هذا النهج أراده الشاعر ليبث ميكانيزم جديدة يتمكن من خلالها المرء من فهم العالم، بعيدًا عن التكرار والخطأ المتوارث، كأن يكون الهواء نارا مالحة، وأن يكون الضوء دخانا لزجا، وأن يكون هو يدا مبتورة تكتب القصيدة. ويسأل الشاعر الأسئلة المحيرة، التي إن تمكن أحدهم من الإجابة عنها، فإنه يدخل للعالم من باب الفلسفة، كأن نتساءل أين تذهب الضحكات والأصوات والأحزان التي لطالما حملها الإنسان؟ حاسة واحدة ويشعل الشاعر حراكًا فكريًّا استفزازيًّا للعقل البشري حول الأخطاء الإنسانية والقناعات، وتجربة الحواس، فيتساءل "ماذا لو ولدنا بحاسة واحدة!" لربما كان يرى في ذلك منعًا للتشتت ولهذا الاختلاف الرهيب في السلوكيات والقناعات البشرية، ولربما صارت الحقيقة في المتناول أكثر. ويكشف أوس حسن عن لحظة البدء متخيلًا تلك التناقضات والحركات التي تدور ما بين تشكيل الحجر كساكن قاسٍ ميت، وبين العشبة كرمز للنمو والليونة والحياة، فما بين الموت والحياة نشأت فكرة التجاذب ما بين الوجود والعدم، والمراوحة ما بين الأزل والأبد. تحريض فيما تمر لغة الشاعر عبر القصائد بكثافة وإتقان بديع، فما بين توقفاته بين الجمل، يلتفت أوس حسن للطريقة التي سيكمل بها نصه عبر إيقاع مؤثر، وحالة شعورية هامسة في أماكن، وصارخة في أماكن أخرى. وتظهر أسلوبية المُحرض للعقل البشري لا المجرب فقط، في نص أوس حسن، عبر تكرار ثيمات الكلمات في بعض القصائد كأن يقول "كل شيء يتكرر" فيسعى هنا لأن يلفت القارئ دومًا، النظر لما خلف الصورة. ههههه أوس حسن بالموسيقى الداخلية لنصه على مدار المجموعة المكونة من 66 صفحة من القطع المتوسط، إذ أعطى للصورة مدخلًا إضافيًّا، أو مقعدًا إلى جانبها، يمكن الجلوس عليه وتأملها من جديد. رجفة الأصابع ويبدو صوت التفكير لدى الشاعر مرهقًا مع الاحتمالات والتمنيات، كأن تكون السماء بلا أخطاء أو حزن، معبرًا عن ذلك بزوال اللون الأزرق.. وتبدو مشاعر الرجفة والخفقان والقلق ظاهرة في نص أوس حسن، إلى حد تبيان رجفة الأصابع خلال تلمس الأفكار والصور التي يراها عبر منظاره الشعري، فيظهر النسيان كأنه طريقة أخرى للتواجد، كأنه شاشة سوداء تمضي الأحداث المتحركة عبرها للقراءة والتأمل من جديد، ويظهر هذه الالتقاطات الشعرية عبر نص "عندما يضيء العدم" وهذا جزء منه: "أي ريح ستبعثر مصائرنا، ليبقى صوت الفكرة عالقاً هناك، كل شيء يتحرك.. يدور، كل شيء يزول، كل شيء يتكرر. لماذا ترعبنا الأبدية وحياتنا أرجوحة يضيئها العدم؟". عربة ويسوق الشاعر الوحدة كعربة في ملامسة المعنى ويجردها من بين المشاعر المتشابكة، ومن خلال هذا يظهر غرق الإنسان في وحدته، بالرغم من الكائنات المختلفة حوله، وبالرغم من كثافة الأشياء التي تشاركه الحدث اليومي. ولعل الوحدة في نص أوس حسن، هي الطريقة التي يكتشف من خلالها المرء ذاته، لينطلق للعالم بفهم جديد، وتأثر مختلف عما قبله. ويوصف الشاعر التجربة الإنسانية بالحرب، مبينًا كيف تكمن النهاية على الطريق، عبر المحو، والتلاشي لكل ما هو ثابت أو متحرك، فيرى أوس حسن أنه، لا فارق هنا في التصنيفات، طالما أن كل شيء سيتحول في لحظة لحزن يملأ العالم، وقد أعطاه وصف الحبر ليلمح إلى الامتلاء والكثافة واللزوجة التي تملأ النفس مع الحزن، كما ويلمح إلى التلون الكامل للروح والجسد، من خلال جذب العقل لصورة الحبر التي عرفها الإنسان من طفولته، ورآها كيف تصبغ الورقة بين يديه. يكتب الشاعر في نص "الكتاب المفقود": "قررت أن أكتب شيئاً عن الوحدة هذا المساء، عن محارب خاض حرباً وحيدة، وانتصر في حرب وحيدة، وخسر حرباً وحيدة، فجأة اختفت الكلمات من الكتاب، وكالحبر اندلق الحزن فوق مدن من ورق. ثم تذكرت أني لست وحيداً، أو لعلي كنت مزدحماً بالوحدة.. فالموتى هجروا قبورهم الآن، وتكدسوا بين الرفوف". عالم بلا حب ولا تظهر قناعة الشاعر عن الحب في مجموعته إلا في نطاق ضيق، وبدا منشغلًا على الدوام بالهم الوجودي والسر في عمق الأشياء. فالحب عند الشاعر عبء على الزمن، آلة تيه جديدة تضاف إلى آلات مختلفة احتضنتها الطبيعة من حوله، وكذلك الصداقات والعائلة، ويلمح الشاعر إلى أن هذه الطريقة في العلاقات الإنسانية هي السبب في الخراب الكبير الذي يعيشه العالم، وهي السبب في تكرار الأخطاء ذاتها والتمادي في ذلك. ويلمح خلال نصه، إلى فقدان التوازن، والميل والاقتراب من السقوط، بفعل ذلك كله، كما ويرمز من خلال التراكم، إلى الرتابة التي يغرق فيها العالم بفعل تكرار نفس آلية الحب والرغبة والتعلق بالأشياء ذاتها، وهذا، حسب ما يرى، يمنع العالم من أن يمضي نحو هدفيته كأن يسير في هيئة مستقيمة، دون أخطاء. يقول الشاعر في نص"مفارقات بسيطة جدًّا": "لا وقت للعائلة والأصدقاء، ولا للحبيبات الخائبات، المزيد من الحب يعني الكثير من الخسارات، يعني أن يفقد العالم توازنه، فإما أن تدور المعادلة أو تستقيم الأرض".
مشاركة :