ذكر لي زميل وافد أنه اضطر لمراجعة إحدى الدوائر الحكومية في جدة، فقيل له إن (رقم) المراجعة الذي تريده عند فلان، وفلان غائب اليوم (الأربعاء). طبعاً لا أحد يحل محله لأن لديه كلمة السر (باس كود) البرنامج، وهو عذر أقبح من ذنب للأسف الشديد. خوينا الوافد ذهب اليوم التالي (الخميس) فلم يجد الموظف أيضاً. وعندما سأل زميلاً له أعاد الإسطوانة نفسها وطلب منه المراجعة يوم الأحد، عندها تجرَّأ الوافد الغلبان وطلب منه رقم جوال الموظف (الغائب)، فوجئ بنهرٍ شديد وتوبيخٍ لاذع وتهجُّم اقترب من الطرد. تذكَّرت هذا السيناريو المفزع الذي يُبيِّن حجم الخلل الذي ينتاب أخلاقياتنا وسلوكياتنا ونظرتنا الى الآخرين قبل أن يصيب في مقتلنا ضمائرنا التي تبرر لنا الغياب بدون استئذان، كما تفرض علينا التغطية والمواربة والمجاملة إلى درجة عجز مدير دائرة عن تأمين بديل لموظف عديم الضمير، خاصة وأن المهمة بسيطة ساذجة يمكن لأي موظف القيام بها بعد ساعة من التدريب. أزمتنا ليست في التغيُّب عن العمل فحسب، وإنما في عدم الرغبة في العمل، وكأنَّ الحاضر والغائب سيّان، مع وجود استثناءات كثيرة بالتأكيد خاصة إذا يسّر الله إدارات عليا جادة وإدارات وسطى حازمة. التنافس بين فئات كثيرة من الموظفين ليس في حجم الأداء، وإنما في مقدار التسيب والزوغان، وعمل أي شيء إلاّ العمل الموكل إليه، والذي يتقاضى أجراً نهاية الشهر عليه. تذكَّرت فصول مأساة الوافد، كما كثير من المراجعين، وأنا أطالع التحقيق الذي نشرته هذه الصحيفة يوم 25 ديسمبر عن التسيُّب الوظيفي، وعمّا تم رصده من هيئة الرقابة والتحقيق (وما لم يُرصد كثير). وأما النسبة الكبرى من الحالات، فكانت من نصيب وزارة التعليم (التي تُعلِّم الأجيال الفضائل والقِيَم) تلتها وزارة الصحة ثم الشؤون البلدية والقروية (حتى لا تستغرب طول الانتظار) وأخيراً العدل. وذاك بالطبع لا ينفي ذات المشكلة الإدارية الانضباطية الأخلاقية عن عدد من الوزارات والجهات الأخرى، فلكلٍّ نصيب من العدوى المُضرّة بالمجتمع، المُحبطة للأفراد، المُخيّبة للآمال. ولا نملك إلا أن نُردِّد جميعاً: (لا حول ولا قوة إلاّ بالله)!! salem_sahab@hotmail.com
مشاركة :