يتحرك الخطاب الثقافي في المملكة العربية السعودية نحو طرح الرؤية المتعددة والمتنوعة ولكن ذلك دون أن يمس بثوابت اللحمة الوطنية التي ألفها المجتمع، والتي أيضا عاش معها جميع أطياف هذا التنوع الفكري والثقافي في المجتمع، ففي الوقت الذي توجد الصراعات الكبيرة والمزعزعة لفكرة التجانس الثقافي في المجتمع الواحد في الدول الأخرى، نجد بأن خطابنا الثقافي متماسك، متعدد، متنوع ويحمل جميع ذلك في إطار واحد لا يبعد عن كونه جزءا من التماسك الوطني لأفراد مجتمع واحد لا ينقسمون مهما وجد الاختلاف بينهم، فالوطن يبقى في إطار ذلك التعدد الثقافي، ويبقى وليد اللحمة الواحدة، ويظهر هنا بأنّ الخطاب الثقافي نما في عهود طويلة وتشكل من خلال عدة رؤى وأفكار ولكنه برغم ذلك لم يستطع أن يغير من مضمون الفكرة الواحدة التي يقوم عليها بناء المجتمع، كما يحدث في بعض الدول التي يشكل الخطاب الثقافي بها انقساما وتحزبا وضررا بكل من يعيش به. أحزاب سياسية وذكر د. عبدالرحمن العناد – عضو مجلس الشورى والمهتم بالشأن العام وحقوق الإنسان - أنّ خطابنا متماسك وذو توجه واحد، وهذا يعود بطبيعة الحال للعامل الثقافي والعوامل الثقافية المشتركة، بمعنى لا يوجد تضاد وتنوع كبير يفضي إلى صراعات في الحوار الثقافي وهذا يشير أيضا إلى وجود توجه لدى وسائل الإعلام في المملكة أنها تحاول أن تكرس هذا النوع من الخطاب، سواء كان ذلك بقصد أو بدون قصد لتكرس التماسك في وجهات النظر بين أطياف المجتمع نحو القضايا الوطنية المشتركة، موضحاً أنّ هذا لا يلغي وجود آراء متنوعة ومختلفة بعضها يخشى الظهور على السطح ولذلك فإن واحدا من العوامل المهمة والمؤثرة في المملكة تكمن في عدم وجود الأحزاب السياسية التي تتبع لها الصحف أو وسائل الإعلام وهي ما يمكن أن يكرس الاختلاف في بعض الدول الأخرى التي توجد فيها وسائل الإعلام الحزبية، ويحدث تصادم في الآراء نحو القضايا المجتمعية. الانجذاب الواحد ولفت محمد المزيني – الروائي والكاتب الإعلامي - إلى أنّ الخطاب الثقافي في المملكة متماسك بشكل كبير لأنّها في تشكيل الذهنية السعودية ذات اتجاه أحادي يتجه من الأعلى إلى الأسفل، من المنزل والمدرسة وحتى في لغة الشارع، فالمشاهد الفكرية والذهنية في المملكة العربية السعودية موحدة وذلك حتى على المستوى الخطابات الدينية والاستقطابات الدينية فلها منحى واحد، في المملكة لم تتشعب بنا الطرق أو تتعدد بنا بحيث نتأثر بها بشكل أو بآخر حتى الذي يأتي إلى المملكة العربية السعودية يجد بأن هناك وحدة موضوعية في المفكرة الثقافية في السعودية، وحتى في أساسات التوجيه المعرفي والتحصيل العلمي فهناك سياسات واضحة ومرسومة محمية بأنظمة واضحة وصريحة، لذلك حتى من يأتي للمملكة نستشعر أنه ينجذب إلى هذا التوجه، ويتحول نحو الحراك الثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي. وأضاف: "هناك أسباب أخرى تتعلق بأساليب المعيشة في المملكة فنحن لم نعان اقتصاديا كما تعاني منه الكثير في الدول من العالم العربي، كتلك الدول التي عانت من الأزمات الاقتصادية وبالتالي شكلت رؤى واتجاهات، وكان الضغط الاقتصادي هو الأقوى فيها، فالمملكة والمجتمع السعودي من مختلف الأطياف سواء سعوديين أو غير سعوديين يعيشون تحت مظلة اقتصادية مريحة وجيدة، وبالتالي الثورات الأخيرة في الربيع العربي لم تكن تحرك شهية وذائقة هذه المفكرة الثقافية والتعليمية أو الأجندة الثقافية في المملكة بهذا الاتجاه، بل بالعكس أثبتت بأنها أكثر تماسكاً من أي وقت آخر، واستشعروا بكيف يتم التغير السلبي الذي يزعزع الأمن والاستقرار والسكينة في المملكة، وهذه منحة من الله – سبحانه وتعالى – أوجد هذه اللوحة والوعاء الفكري ذا الروابط المشتركة والموحدة بين أطياف المجتمع السعودي، سواء هذه الأطياف تلونت باللون الجغرافي أو التلون المذهبي، أو التلون القبلي فأنها تصب في قالب يثبت أنه مجتمع يعيش حالة موحدة ثقافيا وأمنية". أمنيات سعيدة من جهته اعتبر د. عالي القرشي – أستاذ النقد والأدب الحديث بجامعة الطائف - أنّ هذه أمنية جميلة؛ أن يكون الخطاب الثقافي لدينا يتميز ببعده عن الصراعات وبعده عن الطائفيات، فهذه أمنية سعيدة وجميلة، ولكن يبقى كل خطاب ثقافي يحمل شخصية صاحبه، فإذا استطاع صاحبه بالثقافة أن ينحي الهوى الشخصي جانباً، فإنّه يصدر عنه هذا الخطاب الذي يرى، مستدركاً: "لكن في مرحلة الثمانينيات شهدنا خطابات ثقافية متصارعة، شهدنا الخطاب الحداثي، والخطاب التقليدي، وشهدنا الخطاب الوسطي، وما بين هذه الخطابات كانت الصراعات موجودة، فالنص قادر على استثمار مخبوء الإنسان، النص يبقى طاقة قابلة لأن تفتح ويرى ما خلفها، ويوجد شاعر من طائفة ما على سبيل المثال هناك من يقول الشعر، بعيداً عن ان يكون هذا الشعر متلبسا بشكل مباشر بالطائفية، ولكنه قد يستطيع أن يوظف الرموز المنتمية إلى طائفته ويخرجه في إطار الخطاب العربي العام".
مشاركة :