د. شريف عرفة يكتب: مثابرة المثابرة!

  • 11/5/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

في مصادفة سارة، قابلتها في مكتب البروفيسور مارتن سليجمان منذ سنوات، مدت يدها مصافحة وهي تعرّف نفسها.. فابتسمت من عجائبية هذا الموقف العبثي، فمن لا يعرفها في مجالنا هذا؟ أتابع كل دراساتها وأبحاثها باستمرار، وقرأت كتابها الذي يعد واحداً من أهم كتب التنمية الذاتية.. أتحدث عن الباحثة الكبيرة أنجيلا داكوورث، أستاذة علم النفس الإيجابي بجامعة بنسلفانيا وصاحبة المعمل الذي يحمل اسمها والمتخصص في دراسة موضوع الإصرار والعزيمة. كان يسود اعتقاد أن النجاح الشخصي يعود إلى موهبة وملكات شخصية، إلا أن هذا التوجه تصدع مؤخراً مع عديد من الدراسات المتلاحقة، ومنها دراسات داكوورث التي كشفت أن الأهم هو القدرة على الاستمرار والإصرار والمثابرة والسعي نحو الهدف، دون كلل أو ملل، وهي الصفة التي تلازم أي شخص تفوق في أي مجال من المجالات. أنظر لأي شخص ناجح وستجد أن رحلة مثابرة شاقة أدت إلي تراكم خبرات وصقل مهارات إلى أن أصبح متفوقاً في مجاله بالشكل الذي تراه عليه. هل تعرف شركة «ترافت أو داتا»؟ بالتأكيد لا تعرفها .. فهي الشركة الأولى التي أنشأها بيل جيتس، قبل أن يتعلم من الأخطاء ويكتسب الخبرات لينشئ «مايكروسوفت» التي - بالتأكيد - تعرفها! الموهبة لا تكفي وحدها، لأن صاحب الموهبة الذي لا يثابر لن يصل إلى شيء .. أو سيصل مرة ولن يستمر بعد اكتشاف وعورة الطريق، أو سيصل، لكنه لن يطور من نفسه وقدراته فتصدأ موهبته .. بل إن الذكاء وحده لا يكفي .. حسب إحدى للدراسات الشهيرة، وجدوا أن الذين يتمتعون بالقدرة على التنظيم الذاتي «أي تأجيل الرغبات الملحة في سبيل تحقيق هدف أكبر» أكثر تفوقاً دراسياً من الذين يتمتعون بمعامل ذكاء «IQ» مرتفع! بمعنى آخر، الذكاء وحده لا يكفي للنجاح إن لم يكن المرء مثابراً. لكن، كيف يصبح الإنسان مثابراً؟ تكمن الإجابة في اهتمام الإنسان بشيء معين قد يراه غيره مملاً أو غير مهم .. هذه هي البذرة التي يجب أن تنميها في أطفالك .. شجعهم على الاهتمام بشيء وملاحقته ومعرفة تفاصيله أو ممارسته .. هذا الاهتمام هو ما يزرع بذرة التفاني ويبرر التعب اللاحق .. نعم .. التعب .. فالشخص الناجح أيضاً متصالح مع حقيقة أن الطريق الذي سوف يسير فيه ليس ممهداً، بل مليءٌ بالعراقيل والصعاب.. تقول داكوورث إن بطولات العالم الرياضية مبهرجة مليئة بالكؤوس والميداليات والكاميرات والجماهير المصفقة.. لكن الطريق لهذه اللحظات ليس مبهرجاً، بل هو سنوات مملة من التدريب المتعب والمكرر لدرجة الضجر! فهل أنت مستعد لذلك في مجالك؟ تضيف داكوورث أن من أهم أساليب تنمية المثابرة هي إحاطة نفسك بمن يتمتعون به.. أن تكون في بيئة عمل تشجع الإتقان أو تصادق أصحاب شغف مشابه أو تنضم لفريق عمل يحفزك.. من الضروري أيضاً الاستعداد للفشل! فالشخص الذي يخاف من الإخفاق قد لا يحاول أصلاً، وإن حاول، سيتوقف عن المحاولة بعد أول فشل! لو تأملت زي شخص ناجح ستلاحظ بسهولة عثراته الأولى.. لنقل فشله الأول.. لكنه قام واستمر مكتسباً مهارات جديدة.. فالعزيمة تتناقض مع الخوف من الفشل.. وتترادف مع اعتباره فرصة للتحسين والتطوير. والمثال الذي يراود ذهني دائماً للتمتع بالعزيمة، هو إصرار داكوورث نفسها على التعمق في دراسة هذه الظاهرة والإلمام بكل جوانبها وتفاصيلها.. أي المثابرة في دراسة المثابرة!

مشاركة :