د. عبدالله الغذامي يكتب: الاسم والهوية

  • 11/5/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

هذه قصة سيدة إيطالية قررت أن تحتفظ باسمها عند الزواج وعزفت عن أخذ اسم زوجها، وهذا قرار اتخذته منذ صغرها، حينما كانت تلميذة مع مجموعة بنات، حيث رأت معلمتها في أول درس معهن تكتب اسمها على السبورة لتعريف الطالبات، وهو «Mrs Brown»، ثم رسمت المعلمة دائرة على حرف «S»، وقالت: «إن تلك الدائرة هي الحيز الذي تمتلكه من الاسم، أي أنها أصبحت مجرد حرف يتيم ملصق في اسم زوجها، حيث إن ما بعد الـS هو اسم عائلة الزوج، ولو حذفت حرف الـ«S» لذهبت الحروف كلها لزوجها دون أن يتبقى لها شيء يحيل إليها». وهذه حركة أيقظت في نفس الفتاة «آنا سبوتني» حس الهوية وحس أن تكون ذاتها وليست مجرد حرف يلتصق باسم غيرها، وراحت تفكر بهذا التحول القسري حين تتخلى المرأة عن هويتها لتندمج في هوية زوجها، ما جعل آنا سبوتني تتشبث باسمها حين تزوجت، وبعد ذلك توالت عقوبات الثقافة عليها، حيث ظلت تشرح للناس أنها متزوجة، ولكنها احتفظت باسمها، وكأن الاسم والزواج طرفا نقيض، وحين جاءها أولاد أخذ الأول منهم اسمها وتخلى عن اسم أبيه، ولكن الثاني تمسك باسم أبيه، وحدث أن تم إيقافها على الحدود حين طابق ضابط الجوازات بين اسمها واسم ولدها الثاني، فشرع بالتحقيق معها لإثبات أمومتها للطفل ودخلت في مشكل قانوني تعلمت منه أن تصحب معها شهادة ميلاد ابنها الثاني مع إشارة إلى أن اسم أمه يختلف عن اسم أبيه، وهنا يتعزز عندها دور الثقافة في تحويل المرأة لتابع تتبع الرجل وأي حال استقلال ذاتي لا بد أن يكون بسند قانوني موثق لكي تتحرك بحرية ولكي تظل أماً لابنها الذي لا يحمل اسمها. وعرضت آنا سبوتني في مقال لها في جريدة التايمز البريطانية «20-3-2022» نسباً عن استطلاعات أجريت بين النساء عام 2016، وقالت تسع وخمسون بالمئة منهن إنهن يفضلن التحول لأسماء أزواجهن بينما زادت النسبة إلى 61% من الرجال ممن قالوا: إنهم يريدون من زوجاتهم حمل أسمائهم عند الزواج. وهذه نسب تكشف عن رغبات تعزز من تبعية المرأة للرجل وحشرها في دائرة حرف «S» كما في قصة المعلمة، ولكن آنا وجدت سنداً معنوياً من Lewis Hamilton الذي قرر تبني اسم أمه، واستعانت باسم هذا النجم الرياضي ليسند رغبتها من أطفالها أن يحذوا حذوه، وأصبحت تطرح هذه القضية إعلامياً لتغري الأطفال باعتماد أسماء أمهاتهم للحفاظ على درجة من الهوية تحفظ للأم حقها المعنوي في أطفالها، وترى ذلك تصحيحاً للإقصاء الذي تعرضت له المرأة في عزلها عن ذاتها أولاً بتبنيها لاسم زوجها وتخليها عن ذاكرتها الأصلية بما أن الاسم هو عنوان الذاكرة وعلامتها، وتزيد على ذلك بربط الأبناء بالأم، ولكن هذا سيخلق انفصاماً آخر من جهة الأب، حيث سينفصل الأبناء بين نسبة للأم ونسبة للأب، ما يعني أن الاسم سيظل عقدةً ثقافية، ولا حل للعقدة إلا عبر أحد الانفصالين، والنسب المعروضة في الاستطلاع تعرض حال الانفصام الثقافي. على أن انفصال أسماء الأطفال عن أمهاتهم هو ثقافة عالمية في الشرق والغرب معاً، حيث ينسب الطفل لأبيه وليس لأمه، ولن تستوي حال الذاكرة، إلا حين يكبر الأطفال ويصنعون من ذواتهم شخصيات مستقلة ذهنياً وواقعياً، بينما ستظل عقدة الانفصال تتجدد مع كل طفل وطفلة في مطالع حياتهما، وكأن ذلك تذكير متصل بأن الأسماء هويات لا تتشكل إلا عبر ما يأتي وليس ما مضى، وكل اسم جديد سيظل تحت رعاية أبوية أو أمومية إلى أن يبلغ «الحلم» ويصبح كائناً ذاتياً وليس تبعياً.

مشاركة :