(الشباب السود يشعرون كما لو أنهم موضع استهداف أكثر، وحماية أقل من جانب الشرطة وينظرون إلى عناصرها على أنهم مفترسون) نيويورك تايمز 2020/3/25) وقفت في التوريقة السابقة على حادثة شتم اللاعب آدم قودز في الملعب في بلد كانت هي بلده الأصلي، أستراليا، ولكن رجلاً أبيض استعمرها وصيرها بلداً للأبيض، وبقي أهلها الأصليون خارج فضاء الهوية البصرية والثقافية وأصبحوا فيها أجانب وهامشيين، من بعد أن كانوا هم الأصل وهم هوية المكان، وإن كان آدم قوديز قد دخل للمتن الثقافي كونه نجماً رياضياً ووجهاً مشهوراً وأنموذجاً للشباب الطامحين والمتعلقين برموزهم الرياضية، إلا أن جانباً منه ظل هامشياً، أي أنه يحمل وجهاً سماته تحيل للمهمَّش، حسب الثقافة البيضاء، وكذلك يحمل صفات تدخله للمتن الثقافي من أشهر أبوابه، لكن واحداً من الوجهين لم يشفع للآخر، وهو إن حقق فوزاً في أي مباراة، فسيكون في قمة المعاني، وتظل هوية الثقافة هي علامة الموقف منه، بما أنه يمثل معنى ثقافياً مطلوباً لحظة الاحتفال بالفوز، ولكنه لو تعثر في مباراة ما فستعود له هويته الهامشية، وتصبح سبباً لشتمه من المدرجات الغاضبة بسبب الهزيمة، وستشتم لونه وهويته الأم لحظتها بدلاً من شتيمة الأداء المتعثر، وأكثر من ذلك فالشتم سيتجه تحديداً لهذا المختلف، وستنسب له أسباب الهزيمة مغفلة زملاءه البيض الذين ليس في لون وجوههم ولا سحناتهم ما يستوجب استنهاض معجم الشتائم. هنا تلعب الهوية دورها المزدوج بين تقلب اللاعب نفسه بين هوية وهوية، يناله الثناء عن واحدة والشتم عن الأخرى، وسيتقلب هو بين نجمٍ يصفق له الجمهور، وبين مواطن من الدرجة الأقل مما يجعله يستحق السخرية منه، أي أنه بين متن وهامش يمثلهما شخص واحد في حالين متلازمتين، ومن صنع المتن والهامش هنا هو المهيمِن سلطوياً على الأرض، وكأن الأرض دكة احتياط افتراضية تلازم الملعب لتؤدي وظائفها بصيغ تتبدل وتتنوع حسب ظروف اللعب، ويبدو الزمن عاجزاً عن تغيير الصور الذهنية، رغم الوعي الذي يسمى وعياً حضارياً، ورغم شجب هذه العنصريات، ورغم القوانين المعتمدة بمعاقبة العنصريات، ويظل النسق الثقافي أقوى من الوعي ومن القانون ومن نظم العلاقات العامة، والمتن الافتراضي يتحكم تبعاً لتملّكه السلطة على المكان، ومن ثم تملّكه المعاني وترسيم المفاهيم، وهذه هي الهوية بصيغتها السالبة، حيث لا تتحقق إلا عبر إقصاء الآخر المختلف، حتى وإن استفادت من المختلف في بعض مناشط حياتها المادية والمعنوية، إلا أنها في لحظة الامتحان تنسى ما استفادته مادياً أو معنوياً لتعود صورة الناقص المهمش، ولن تبخل اللغة في أن تفتح معاجمها لتحقيق دلالات التمييز والتحقير وكأنها حالة تنزيه ذاتي من مغبات مخالطة الآخر المهمش.
مشاركة :