جَرَت العَادَةُ أنْ يَكتب أغلَب الكُتّاب عَن المَشَاهير، وأصحَاب النّفوذ، والوُجهاء والكُبراء، وتِلك الطَّائفة التي تُحب أنْ تَكون مِن «المُترزّزين» في الوَاجهة، ولَكن في هَذا اليَوم سأخرج مِن هَذه الدَّائِرة؛ إلَى شَخصٍ أدين لَه بالفَضل في التَّعلُّم.. حَقًّا، لقَد تَعلّمت مِنه الاعتدَال في الخصومَة، والصِّدق مَع النَّفس، واستخدَام اللُّغة بطَريقة صَادِقة وسَليمة، تَتحرّى الخَير والحَق والجَمَال، كَما يَتحرّى المُسلمون هِلال رَمضَان..! اليَوم أكتُب عَن أَديب؛ لَا يَعرفه إلَّا الرَّاسِخون في المَعرفة؛ والصَّفوَة مِن أَهل الفِكر، ألا وهو الأديب «وديع فلسطين».. إنَّه أَديب مِصري مِن إخوتِنَا الأقبَاط، كَان صَحفيًّا ومَازَال، وهو في آخر أيَّامه مِن الدُّنيا؛ يُعلّمنا كَيف نَكون صَادقين مَع أنفسنا..! وممَّا يُدهشني في الأُستَاذ «وديع فلسطين»؛ أنَّه رَجُلٌ ذُو وَجهٍ وَاحِد، فلا يَتقلّب مِثل مَن تَقلّبوا، وقَد قَال عَنه الأديب التّونسي «راضي صدُّوق»: (الأُستاذ «وديع فلسطين» رَجُلٌ مِن ذوي اللَّون الوَاحِد، لَم يَتلوّن لَا في قَلمه، ولا في ضَميره، ولا في قِيَمه، رَغم تَقلُّب الدَّهر وصرُوفه)..! ثُمَّ يُؤكِّد «راضي صدُّوق» عَلى خِصلة نَادرة تَتوفَّر في أديبنا «وديع فلسطين»، حَيثُ يَقول: (عَرفتُ وَديعًا رَجُلاً صَادِقًا مُحبًّا للنَّاس، يَلتزم بقِيَم الحَق والفَضيلَة والجَمَال، وكَان مِن أكثَر النَّاس حِرصًا عَلى الوفَاء؛ لأُولئك المَنسيّين المَظلومين المَغمورين، مِن أُدبَاء الحَقَّ والحقيقَة، ممَّن تَجاهلهم الدَّارِسون والنُّقاد في بِلَادنا العَربيّة)..! كَما قَال عَنه الدّكتور «يوسف عز الدين»: (وديع فلسطين لَيس مِن الأُدبَاء الروّاد فحَسْب، ولَا مِن كِبَار الصَّحفيين، إنَّما هو مَوسوعة وَاسِعة المَدَى، عَميق الغَوْر، فقَد صَحب قَادة النَّهضَة الحَديثَة، وزَامَل رَبَابنة الفِكر، وأَساطِين السّيَاسة والنَّقد)..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي القَول: هَذا «وديع فلسطين» الذي أَدور في فلكه هَذه الأيَّام، وخَاصّة كِتَابه الذي يَحمل عنوَان: «وديع فلسطين يَتحدَّث عَن أعلَام عَصره»، حَيثُ صَدَر مِنه جُزءَان، ومَن أرَاد أن يَتعلّم طَريقة السَّرد المُبهرة؛ فعَليه أن يَقرأ هَذين الكِتَابين عِدّة مَرَّات..! حسناً ماذا بقي مرةً أخرى: بقي القول: يا قوم؛ هذا المقال نشرته قبل عشرة سنوات، حين كان وديع يعيش بيننا، وكنت أتواصل معه عبر الهاتف بين الفترة وأختها، أما الآن فقد رحل هذا الأسبوع عنا الأديب الكبير وديع.. نعم، رحل عنا وترك فراغاً كبيراً في الصحافة الأدبية لا يملأه إلا شخص اسمه «وديع فلسطين».
مشاركة :