رحل يزيد الشاب المناضل بعد رحلة كفاح في هذه الدنيا، علمنا خلالها دروسًا كثيرًة، ومعنى التفاؤل والصبر وحسن الظن بالله ومن ثم التسليم بقضاء الله وقدره، وعدم الامتعاض والسخط، بل بالعكس تمامًا كانت روحه الجميلة المتفائلة -رحمه الله- تلهم من حوله، وتؤثر فيهم، فالله سبحانه جعل شخصيته نموذجًا ملهمًا لكل من عرفه. عاش يزيد معنا في حياة عنوانها: الابتلاء والصبر.. نعم ابتلاء بدأ معه منذ نعومة أظافره، واستمر معه طيلة حياته، فإصابته بمرض «ضمور المخ» المتطور، جعلت حياته تزداد صعوبة عامًا بعد الآخر، ومع هذا ومنذ إصابته حتى وفاته - رحمه الله - ظل كما عرفناه: «صبورًا، محتسبًا، مؤمنًا راضيًا بقضاء الله وقدره... وكان رحمه الله حريصًا كل الحرص على الذهاب إلى المسجد مع الأذان، حينما كان يستطيع المشي، حتى بعد اشتداد مرضه، الذي أدى إلى صعوبة المشي لم يتوقف عن عادته، بل ظل يذهب، نعم يتعثر ويسقط لكنه يقف وينهض مكملاً مسيرته حتى يصل إلى أحب الأماكن إليه.. بيت الله (المسجد). لم يسلم الراية قط، حتى أضحى الذهاب للمسجد مبكراً هو ديدن يزيد، وحينما احتاجت حالته جلوسه على كرسي متحرك، دائمًا ما كان يصر على الذهاب إلى المسجد في وقته، حتى إنه يصل قبل الأصحاء الذين لا يشتكون أي علة, وحينما لا يجد من يذهب به للمسجد أو يتأخر عن الذهاب يغضب كثيرًا لدرجة تصل حد البكاء والحزن. وقبيل وفاته - رحمه الله - ازدادت المعاناة والآلام التي يكابدها ما أجبره على مفارقة بيت والديه، البيت الذي عاش فيه طيلة حياته تحت مظلة والديه - أطال الله في أعمارهما- اللذين لم يدخرا جهدًا في سبيل توفير كل ما يحتاج إليه من حاجات تستلزمها حالته الصحية، وبعد أن تطورت حالته، أصبح لزامًا على المكافح يزيد أن يودع بيت والديه ويدخل المستشفى، ولم يكن يعلم أن هذه آخر مرة يرى فيها بيت العمر والطفولة... وبعد دخوله المستشفى ظلت الأجهزة الطبية العديدة تحاول مرارًا وتكرارًا مدَّه بالحياة، واستطاع رحمه الله أن يبقى صامدًا مبتسمًا يسعد كثيرًا برؤية أحبّ الناس إليه، ومن يسره كثيرًا مشاهدتهم، ألا وهما والداه اللذان لم يفارقاه يومًا في حياته، وكانا معه يعيشان معاناته ويقدمان كل ما يستطيعان لتخفيف معاناته، ويتمنيان أن يأخذ الله ما تبقى من صحتهما وعافيتهما، ويعطيها لابنهما المبتلى.. لكن هي أقدار رب رحيم... وفي يوم الاثنين 6-4-1444هـ، انتهت رحلة كفاح الشاب يزيد مصداقًا لقوله عز وجل {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ}. تجلى تأثير شخصية يزيد في يوم دفنه؛ إذ غصّ المسجد والمقبرة بالناس صغارًا وكبارًا شبابًا وكهولًا.. يا الله يا يزيد ما الذي بينك وبين الله حتى تتقاطر هذه الجموع لحضور جنازتك وترافقك إلى المقبرة، ويتنافسون أيهم يحمل نعشك ويشارك في دفنك.. وأنت لم تنه عقدك الثالث. هذا هو يزيد البطل الصبور - رحمه الله - الذي رحل عن دنيا فانية، عاش فيها نحو 29 عاماً علمنا فيها دروسًا وعبرًا، وكان قلبه الكبير وطيبته لا مثيل لها.. هنيئًا لكل من عرف يزيد.. وهنيئًا لكل من عرفه يزيد.
مشاركة :