في ظل ما نعيشه من تطور شمل المجالات كافة، خصوصا الثورة الرقمية في قنوات التواصل الاجتماعي، وصناعة المحتويات التي تعرفنا خلالها على ثقافة أربابها؛ برزت على السطح مشكلة أراها ذات آثار سيئة، ألا وهي تعمد الكتابة بالعامية وإهمال اللغة الفصحى في مختلف السياقات. في هذين المقالين سأسلط الضوء على هذا الموضوع محاولا سبر أغواره وتبيان أسبابه، واقتراح الحلول الناجعة التي تسهم في الوصول إلى مقاربة مناسبة للأطراف جميعا. بادئ ذي بدء، علي الاعتراف أن كلا من صناع المحتوى واللغويين مخطئان! –الغالبية منهم كما أرى- فكلاهما يلقى باللائمة على الآخر؛ فمثلاً صانع المحتوى يرى أنه في غنى عن الالتزام بقواعد اللغة في الكتابة، وهي مما تثقل كاهله؛ إضافة إلى أن التركيز عليها قد يضيع فكرة المحتوى، فهو يستطيع إيصال فكرته إلى القارئ باستخدام العامية، وهو ما ينشده. وفي الطرف الآخر نجد بعض اللغويين -النحويين خصوصاً- يتشدد في تخطئة كثير من الكلمات والأساليب الشائعة؛ فتجده يرصد المحتويات هنا وهناك، ويصوب هذا ويعيب على ذاك، وينكر استخدام هذه الكلمات أو الأساليب في هذا السياق، ولا تراه ينبس ببنت شفة عن فكرة المحتوى. في هذه الحالة، كيف ستكون في ظنكم ردة فعل كل فريق؟! في نظري سيجهز كل فريق عدته وعتاده للهجوم على الآخر، محاولاً إثبات موقفه بالحجة والبراهين والأدلة، وسيصدح بها في كل منبر، وما أكثرها في وقتنا الحاضر. ولكي نصل إلى مقاربة ناجعة يجب التوقف عند النقاط التالية: * أولاً: قناة المحتوى، وهي مهمة جداً في تحديد طريقة الكتابة، فمثلاً إذا كان الحساب شخصيا فلا أراه مخطئا لو استخدم العامية، والاستخدام عائد إلى ثقافة وشخصية كاتب المحتوى وثقافة المتلقين والمتابعين لديه، «فمراعاة المقال للمقام أساس في البلاغة العربية». وهنا لا أرى النحوي أيا كان مصيبا في تتبع ما يكتبه صانع المحتوى، سواء كان مشهوراً أو مغموراً. * ثانياً: سياق المحتوى، وهذا من النقاط المهمة، فمثلا لو كانت هناك مجموعة «واتساب» وسياق المحادثة يتكلم أو يناقش فكرة ما، مثل ترتيب لقاء يجمع الزملاء» أو معايدة شخصية بينهم؛ فلا يتصور هنا أن يقوم –النحوي- بتصويب ما يكتبه الزملاء، فلا السياق هنا مناسب للتدقيق اللغوي والاستعراض! * ثالثاً: الحسابات والمخاطبات الرسمية، وهي الخاصة بالجهات الحكومية المختلفة سواء في مواقعها الرسمية أو بوساطة حساباتها على منصات التواصل الاجتماعي؛ وهذه لا يقبل فيها بحال من الأحوال إلا الكتابة باللغة السليمة المتقيدة بالقواعد والإملاء، واللحن فيها مرفوض بتاتا، وقد جاءت سياسة المملكة منذ تأسيسها على دعم هذا النهج –يمكن الرجوع إلى «مدونة قرارات اللغة العربية في المملكة العربية السعودية (الأوامر والأنظمة واللوائح والتعاميم)، الذي جمعه وأعده مركز الملك عبد الله لخدمة اللغة العربية..
مشاركة :