رفع البنك المركزي الأمريكي معدل الإقراض القياسي بواقع 0.75 نقطة مئوية الأسبوع الماضي، وهي الزيادة الرابعة والارتفاع السادس المسجل هذا العام، ما رفع سعر الفائدة الرئيسي إلى نطاق يتراوح ما بين 3.75 بالمئة و4 بالمئة، وهو الأعلى خلال 15 عاما. وقال البنك إن مثل هذه الزيادات ضرورية لتخفيف التضخم المرتفع القياسي. ومع ذلك، قبل أن يكون للسياسات القاسية السابقة المتعلقة بالعملة صدى في الداخل، فقد أحدثت بالفعل الفوضى على مستوى العالم نظرا لهيمنة الدولار على النظام النقدي والتجاري على الصعيد الدولي. وفي أعقاب ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، عانت العديد من الدول من انخفاض قيمة عملاتها وتدفقات رأس المال إلى الخارج، وارتفاع تكاليف خدمة الديون والتضخم المكثف الناتج عن عوامل خارجية، لدرجة أن البعض وقع في أزمة عملة أو ديون. -- هيمنة الدولار لقد صيغ مصطلح "الامتياز الباهظ" عام 1965 من جانب وزير المالية الفرنسي آنذاك فاليري جيسكار ديستان للتحسر على الممارسات الأمريكية المتمثلة في استخدام هيمنة الدولار من أجل المصلحة الذاتية. وتم إنشاء النظام النقدي الدولي الذي يتسم بالدولار الأمريكي المهيمن بعد اتفاقية "بريتون وودز" عام 1944. ومنذ ذلك الحين شنت واشنطن حروبا وفرضت عقوبات ضد أي منافس لفرض هيمنة الدولار. وفي الثمانينيات، عندما سعت اليابان سريعة النمو إلى الحصول على مكانة دولية أعلى للين، فرضت الولايات المتحدة اتفاقية بلازا، والتي تسببت في ارتفاع قيمة الين بشكل كبير أمام الدولار، ما مهد الطريق لـ "عقد ضائع" من تباطؤ النمو والانكماش في اليابان. وفي يناير 1999، عندما تم إصدار اليورو رسميا، حيث كان اليورو الواحد يعادل 1.8 دولار. وبعد شهرين، شنت منظمة حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة ضربات جوية ضد جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية آنذاك دون موافقة الأمم المتحدة، وبدأت حرب كوسوفو. وأدت هذه الفوضى إلى تدفق رأس المال خارج أوروبا وإلى انخفاض سريع في قيمة اليورو. لقد كرر التاريخ نفسه بنتائج مدمرة لأولئك الذين يتحدون هيمنة الدولار. يبدو أن هناك قاعدة غير مكتوبة مفادها أن الولايات المتحدة لن تسمح بأي تهديد لـ "الامتياز الباهظ" لديها. -- استغلال الآخرين وفي ظل نظام يتمحور حول الدولار الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية، استفادت واشنطن من هيمنة الدولار لتصدير الأزمات المالية المحلية وجني الثروة العالمية وتدمير الاستقرار المالي أو الرفاهية في الدول الأخرى. إن رسوم سك العملات وسندات الخزانة والتلاعب بالسياسات النقدية، حيل تستخدمها الولايات المتحدة لتحقيق الأرباح. وهناك امتياز آخر يسمح للولايات المتحدة أن تدير عجزا خارجيا، حيث تستورد أكثر مما تصدر وتستهلك أكثر مما تنتج عاما بعد عام دون أن تصبح أكثر مديونية لبقية العالم. في 3 أكتوبر، تجاوز الدين الوطني للولايات المتحدة 31 تريليون دولار لأول مرة وسط ارتفاع أسعار الفائدة، ما رفع نسبة الدين الفيدرالي الأمريكي إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى ما يقرب من 126 بالمئة. وعلى الرغم من تحذير الخبراء المتكرر من أن مثل هذه الديون المرتفعة قنبلة موقوتة تخاطر بحدوث أزمة مالية ومن أن تخلف الولايات المتحدة عن السداد سيؤدي على الأرجح إلى انهيار مالي عالمي، لا يبدو أن الأمر يزعج الحكومات الأمريكية المتعاقبة. -- سلاح العملة باستخدام الدولار الأمريكي كسلاح، تقوم الولايات المتحدة بالتبديل بين تضخم العملة وإحكامها لخلق "اضطراب يمكن السيطرة عليه" في القطاعين المالي والاقتصادي، ما يؤدي إلى فرص أعمال للصناعة الأمريكية. ومن أزمة ديون أمريكا اللاتينية في الثمانينيات إلى الأزمة المالية عام 1997 في آسيا والأزمة المالية العالمية عام 2008، كان الدولار الأمريكي يلعب دوره. ومع ذلك، في كل مرة، خرجت الولايات المتحدة سالمة أو حتى تمكنت من تحقيق أرباح. طبعت الولايات المتحدة ما يقرب من نصف كمية العملة المطبوعة في السنوات الـ200 الماضية أو أكثر خلال عام ونصف العام الماضي فقط، ما سمح للتضخم بالارتفاع وانتشار الفقاعات الاقتصادية. وقال ملهار نبار، رئيس قسم إدارة البحوث بصندوق النقد الدولي، لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن هذه الزيادات قد تضيف ضغوطا على تدفقات رأس المال في الأسواق الناشئة، وتدفع التضخم الناتج عن عوامل خارجية للارتفاع، وتزيد من قابلية تأثر الديون وتقلل من حيز السياسات. وفي يوليو، قدر صندوق النقد الدولي أن ما يقرب من 30 بالمئة من الدول الناشئة و60 بالمئة من الدول منخفضة الدخل تعاني بالفعل من أزمة ديون أو تقترب من ذلك. -- تضاؤل الامتياز الدولاري في ظل عقود من الهيمنة المالية الأمريكية التي اتسمت بهيمنة الدولار، يتزايد الإحباط في جميع أنحاء العالم. وخلال الشهر الماضي، أعلنت المملكة العربية السعودية، وهي دولة كبيرة مصدرة للنفط وداعمة لنظام البترودولار، عن خفض إنتاجها النفطي، ما أثار غضبا في واشنطن التي طلبت من المملكة القيام بغير ذلك. وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن إنه سيراجع علاقة الولايات المتحدة بالسعودية وستكون هناك "عواقب" غير محددة على المملكة. وذكر أندريه كوستين، رئيس مجلس إدارة بنك ((في تي بي)) الروسي، أن "تسليح" واشنطن للأدوات المالية قوض حتما الثقة في الدولار الأمريكي كونه العملة الاحتياطية الأساسية وأيضا وسيلة الدفع الأساسية، ما أثار حجة قوية لصالح استخدام أوسع للعملات الأخرى. وقال محمد ثاقب، الأمين العام للمجلس الاقتصادي والثقافي الهندي-الصيني، لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن مشكلة النظام المالي الدولي الحالي تكمن في الدولار المهيمن الذي "لا يدعم أي عملة أخرى، حتى اليورو أو الين"، مشيرا إلى أن المزيد من الدول قد تغامر بالتداول خارج الدولار. ووفقا لبيانات صندوق النقد الدولي، تراجعت حصة الدولار من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية إلى أقل من 59 بالمئة في الربع الأخير من العام الماضي، لتواصل انخفاضها على مدار عقدين. كما قال مايكل روبرتس، الاقتصادي المقيم في لندن، إن هيمنة الدولار على مدى عقود ط
مشاركة :