انتهت الانتخابات الإسرائيلية وعاد نتنياهو إلى رئاسة الحكومة في دولة الاحتلال. لا يبدو الأمر مفاجئاً ولا يجب أن يكون صادما أو مثيرا للدهشة بشكل فائض. فالحديث عن صعود اليمين أو زيادة قوه هذا اليمين ليس إلا من باب إجراء المقارنات غير الدقيقة. لأن هذا يعني أن اليمين تراجع سابقاً أو خسر قبل ذلك، فيما الحقيقة أن اليمين تزيد قوته من انتخابات إلى أخرى وتزيد قوته في المجتمع الصهيوني المؤسَس على التطرف. لم يكن الأمر أكثر من إعادة توزيع الورق لتبدأ اللعبة من جديد، فذات الأوراق كانت وظلت موجودة وتمت عملية فرز واصطفاف جديدة. ربما لن تكون هذه الانتخابات الحاسمة في الصراع على رئاسة الحكومة وقد تكون أكثر من سابقاتها مدعاةً للاستقرار الانتخابي والبرلماني مع ذلك، لكن المؤكد أن كلمة استقرار بشكلها النهائي وبمعناها الحقيقي ستظل غائبة عن الحياة البرلمانية في دولة الاحتلال. أيضاً سيبدو مبكراً الحكم على شكل حكومة نتنياهو، وأساس ذلك صعوبة توقع استمرار الجمود في حالة الاصطفاف وعدم كسره من أحد مكونات أحد المعسكرين. وهذا قد يحدث وتاريخ الحياة السياسية في دولة الاحتلال يقول ذلك وبقوة. عموماً ومرة أخرى يجب ألا يكون ما حدث مفاجئاً وكأننا لا نعرف منحنى التطرف المتزايد الذي يشهده المجتمع هناك كما لا يجب أن يكون مقلقاً أكثر من اللازم. علينا أن نتذكر أن الانتخابات السابقة لم تشهد سقوط اليمين ولا صعود اليسار والوسط، كل ما في الأمر أن الاصطفاف الحزبي ونقمة بعض أقطاب اليمين مثل نفتالي بينيت مكّنت أحزاب الوسط بالتحالف مع اليسار من تشكيل جبهة ضد تشكيل نتنياهو للحكومة. لم يكن اليمين ضعيفاً ولم يخسر الانتخابات، بل كان قوياً وحاضراً ونجح في جعل أي تحالف ضده يبدو هشاً وينهار في أي لحظة، وهذا ما يحدث إذ إن التناوب بين بينيت ولابيد لم يدم طويلاً، وظلت حكومتهما طوال الوقت تتأرجح على شعرة تكاد تسقط عنها في أي لحظة. اليمين ظل حاضراً ولم يخسر سابقاً، وعليه فهو لم يعد بالمعنى الكامل للكلمة بل أعاد توزيع نفسه بما يمكنه من الاصطفاف بالشكل المناسب ويتمكن من تشكيل حكومته مرة أخرى. هذا يعني أيضاً أن الحكومة السابقة التي ترأستها أحزاب الوسط لم تكن غير يمينية بشكل كامل، إذ إن مركباً أساسياً فيها وهو الحزب الثالث في التحالف الكبير كان حزب نفتالي بينيت اليميني الذي اصطف مع الوسط واليسار ضمن صراع جبهة اليمين على زعامة التطرف، فبينيت الذي كان يدير مكتب نتنياهو والذي ابتدع فكرة الضم وبنى حزبه السياسي وأفكاره عليه، كان يرى في نفسه الكفاءة لقيادة التطرف في البلاد. لم يكن الأمر أن الرجل استيقظ من النوم ليدرك أن الوسط أو اليسار يمكن لهما أن يقودا البلاد. حتى ملاحظاته الأخيرة بعد أن قرر ترك الحكومة التي هو جزء منها بعد فرز الانتخابات لم تكن إلا من باب الإطراء الجميل على ما قام به. فهو توجه إلى أحزاب اليمين بعدم التصرف بردة فعل ضد أحزاب الوسط وذكر أن أبناء اليسار يخدمون في الجيش أيضاً ويقدمون للدولة والجيش الخدمات. الرجل كان يمينياً وسيظل يمينياً ومستوطناً ويؤمن بما يؤمن به، لكن ضرورات الصراعات الحزبية دفعت به ضمن رؤية خاصة للهيمنة على مقاليد اليمين لأن يتحالف مع أحزاب الوسط واليسار. ما يقترحه التحليل السابق أن الأمر لم يكن أن اليمين تراجع سابقاً وها هو يعود مرة أخرى، كل ما في الأمر أن الأوراق تم توزيعها بطريقة مختلفة. من نتائج هذه الانتخابات بروز عجز الحضور العربي وتدهور هذا الحضور بشكل لافت. الخلاف بين الاحزاب العربية لم يخسر منه إلا العرب. فبدلاً من الحفاظ على الحد الأدنى غير المقبول من الأساس، تراجع هذا الحضور إلى مستويات متدنية وغير مؤثرة بأي حال بسبب الخلافات بين مكونات القائمة المشتركة وعدم التوافق على توزيع الحصص داخل القائمة الانتخابية. للأسف كان يمكن أن يحدث ما هو أفضل من ذلك، وكان يمكن أن يكون الحضور العربي أكثر تأثيراً لكنه ليس كذلك، والسبب الخلاف على مقعد هنا ومقعد هناك. هذا يخبرنا أن الانقسام آفة مستفحلة داخل جسدنا الفلسطيني وإن اختلفت مسمياته. هل كان الأمر سيكون مختلفاً؟ يمكن الجزم بنعم من دون تردد فلو تمكن حزب التجمع من اجتياز نسبة الحسم لاختلف الأمر لأن هذا سيكون على حساب أحزاب اليمين وكتلة اليمين التي ستفوض نتنياهو بتشكيل الحكومة. هذا لا يعني أننا يجب أن نبكي لصعود نتنياهو لأن الأمر ليس كذلك، ولكن أنا أتحدث عن مدى التغيير الذي كان يمكن للعرب أن يحدثوه لو كانوا حاضرين بقوة. كان يمكن لهم أن يغيروا المعادلة ولو قليلاً لكنهم لم يفعلوا لأن الخلاف على توزيع المقاعد أعمى البعض عن الهدف الحقيقي من الحضور الفلسطيني في الكنيست والمتمثل بالحد من تغول الصهيونية على حقوق أبناء شعبنا سواء السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية. يرتبط بهذا ما يتعلق بنا نحن كفلسطينيين. هل حقاً نتنياهو أكثر سوءاً من غيره؟ الأشهر الماضية من حكم الوسط واليمين لا تقترح هذا، فثمة مؤسسة إسرائيلية هي من تقود الحكم، وهناك من يترأسها من فترة إلى أخرى فيعيد ترتيب الأولويات والخيارات. هل قدم لنا لابيد وجانتس أي شيء حقيقي يتمثل في التراجع عن سياسات الاحتلال أو حتى جعل حياتنا أسهل تحت الاحتلال؟! يصعب الجزم ولكن المؤكد أن ثمة فروقات في ممارسة السياسة. ما نحتاجه فعلاً هو أن نطور استراتيجيات جديدة للتعامل مع الواقع الجديد في دولة الاحتلال بما يكفل تحصين مصالحنا الوطنية وحمايتها وتعزيز مكتسباتنا. { كاتب من فلسطين
مشاركة :