عبدالفتاح أبو مدين مكرّماً - سعد الحميدين

  • 1/16/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

في ملتقى النص القادم بنادي جدة سيكرَّم الأديب الرائد عبدالفتاح أبو مدين كشخصية هذا العام، وهذه لفتة لها وقعها الطيب في نفوس ما تبقى من الرواد الذين خدموا الثقافة والأدب السعودي في أوقات كانت فيها حرفة الأدب تتسم بالكد والجهد حسب الإمكانات. فقد كان الكتاب شحيحا، والنشر معدوما، وليس من وسيلة للإطلالة إلا من خلال الصحف القليلة التي كانت تحت ملكية الأفراد الذين وجدوا أن إنشاء جريدة يمكن أن يسهل الأمر، قد يستدين الفرد مبلغا من المال لإصدار جريدة أو مجلة شهرية، يذهب دخلها من المبيعات والإعلانات -إن وجدت- لصاحب المطابع. وقد أنشأ أبومدين مع محمد سعيد باعشن (جريدة الأضواء) التي لم تعمر، ثم تولى إصدار مجلة (الرائد) التي تحولت إلى صحيفة أسبوعية بحجم نصف جريدة، وفي آخر أيامها قبل صدور نظام المؤسسات صارت بحجم الجرائد العادية، وكل اسبوع يكون العدد متميزا عن العدد الذي سبقه، وذلك بفضل الجهود التي يبذلها أبومدين رئيس التحرير الذي يملكها. كانت الرائد تعنى بالأدب كأساس، والرأي، فأدخل أبو مدين الرياضة، فقد كان للأخبار الرياضية مكانها، وهي عن المباريات التي كانت بين فرق المنطقة الغربية، مثل الاتحاد والوحدة، والثغر، وثقيف وغيرها من الفرق وقتذاك. إلا أن التفاتة كانت تمثل نقلة في الصحافة المحلية في حينها كانت في تخصيص صفحة (للفن) تعنى بالفن وبالمطربين والفنانين، والشعر الغنائي، وأخبار الإذاعة وبرامجها، حيث لم يكن البث التلفزيوني قد بدأ، وقد أشرف على الصفحة إعداداً وتحريراً (حمدان صدقة، و هاشم عبده هاشم) ولقيت صدى جيداً لدى القراء والمهتمين، وكانت أول صفحة (فن) في الجرائد المحلية. لم تكن الرائد راكدة، بل كانت منبراً أطل منه الروُّاد الذين استقطبهم أبو مدين لكي يكونوا من كتاب الرائد منهم أبو تراب الظاهري، محمد حسن عواد، محمود عارف، محمد سعيد العامودي، محمد حسين زيدان، عزيز ضياء، عبدالسلام الساسي، ثم الوجوه الجديدة د. عبدالله مناع، عبدالله الجفري، عبدالعزيز فرشوطي، ومن الشباب: عبدالعزيز النقيدان، حسن الهويمل، صالح الوشمي، هاشم عبده هاشم، علوي الصافي، يعقوب اسحاق، وغيرهم. وقد أوكل إلى د. عبدالله مناع التعامل مع الهواة الذين يحاولون أن يكتبوا، فكان تحت اسم ابن الشاطيئ على ما أذكر، يتلقى الرسائل، ويقتطف منها بعض الأجزاء، ثم يدلي بملاحظاته ونصائحه للكاتب المحاول، وقد كان باباً ناجحاً برز منه كتاب صارت لهم مكانتهم في الصحافة المحلية والأدب السعودي. أبو مدين لم يكن بعيداً، بل كان ينام أحياناً في مقر الجريدة ليلة الصدور، وكان يكتب مقالات كثيرة وبأسماء مستعارة، يكتب باب (في اسبوع) وهو المقال الرئيس للصفحة الأخيرة، وزاوية (أمواج) وعمود (أمواج وأثباج) وفي مضامين هذه المواضيع يكون التوجه إلى محاولة الإثارة الثقافية، مثل نقد موضوع أدبي، أو لفت نظر أديب كبير إلى نقد لم يكن قد قرأه، وذلك لكي يكسب معركة أدبية تثار على صفحات الرائد فتجذب له بعض القراء. ومن هذه المعارك التي تسبب فيها كانت المناوشة التي كانت بين الشاعرين العربيين السوريين (على دمر، د. عارف قياسة) من جهة، وأبو تراب الظاهري في الجهة المقابلة، وكانت مناوشة حملت عناوينها المسجوعة الظرف مع العمق في المعلومة، وفي عمق المواضيع، فكان عنوان دمر وقياسة (كشْفُ النِّقاب عن أوهام أبي تراب) ورد أبو تراب بعنوان (هَبْهَبَة الْهِبْهَابْ في الرّد على النِّقَابْ)، وكانت مثل هذه العناوين تعتبر مثيرة في وقتها، ومثال آخر لأبي تراب مع الخطاط والأديب أحمد الذهب (أفْواهْ الْقِرَبْ في الرَّد على الذَّهبْ)، ولم ينج د. فوزي البشبيشي، حيث كان العنوان (ألْيَلَنْدَدُ الْكَشْكِيشِي في الرَّد على الْبَشْبِيشِي). لم يتوقف ابو مدين عن محاولة استقطاب الكتّاب من جميع أنحاء المملكة، ما جعل الرائد محبوبة ومستساغة عند مختلف الأعمار، لما تحتويه من تنوع، وخصوصا الإثارة في المواضيع الأدبية تحت مسميات معارك أدبية بين بعض الكتاب مثل، عبدالعزيز النقيدان، ومحمد العامر الرميح، وعبدالله الجفري، وعبدالسلام الساسي، وإبراهيم الناصر، وعبدالعزيز العبدالله التويجري. ثم يكون أبو مدين علماً بين رؤساء الأندية الأدبية بعد توقف الرائد، وقد تفرغ للنادي وعمل الجهود الجبارة، وأخرج النادي من النطاق المحلي إلى الساحة العربية، وكانت الإصدارات التي يشارك فيها الأدباء العرب من أهم الإنجازات التي لفتت الأنظار إلى الأدب المحلي فكانت (علامات) المجلة المخصصة في النقد ميداناً فسيحاً للمفكرين والكتاب العرب، وخصوصاً من المهتمين بالأدب الحديث، والنقد الجديد، البنيوي، والتفكيكي، والألسني مع النصوص الحديثة، واستقطب صفوة من المثقفين حتى كان النادي الأنموذج النشط الذي تعددت نشاطاته بالندوات والأمسيات، فكان القدوة، وكان السبَّاق لأن أبو مدين أديب فنان، طحسيني الأسلوب، وصادق مخلص مع عمله وفنه، فهو يستحق أكثر من تكريم.

مشاركة :