منذ نيسان (أبريل) الماضي، بعد الاعتراف بالتكلفة الاقتصادية الضخمة التي فرضتها سياسات مكافحة الأوبئة، وضعت الحكومة المركزية مجموعة من السياسات التي تهدف إلى تخفيف القيود المالية على الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تضررت بفعل تدابير احتواء فيروس كورونا، وعملت على استعادة الإمدادات في قطاعات محددة، بما في ذلك السيارات والإلكترونيات والنقل. ومع ذلك، لا تزال الحكومات المحلية تعمل على فرض سياسات صارمة للسيطرة على التنقل، وهو ما من شأنه أن يعيق بلا شك الأنشطة الاقتصادية عبر الحدود ـ التي تشكل أهمية بالغة لتحقيق الانتعاش على مستوى الاقتصاد ـ على الرغم من صدور تعليمات متكررة من الحكومة المركزية بعدم القيام بذلك. يفضل المسؤولون التضحية بالأداء الاقتصادي على المدى القصير على المخاطرة بمناصبهم. هذا يمثل تحولا ملحوظا عن الماضي. منذ أن أطلق دنج شياو بينج أجندة "الإصلاح والانفتاح" في 1978، تمكنت الصين من تحقيق توازن ديناميكي بين مساءلة الحكومة المحلية وابتكار السياسة المحلية كالعادة، وبالتالي زيادة الفوائد والحد من تكاليف كليهما. لطالما عملت الحكومات المحلية كمصدر رئيس للابتكار السياسي في الصين. بينما وضعت الحكومة المركزية خريطة طريق سياسة رئيسة، تم تشجيع وإلهام الحكومات المحلية لمتابعة ابتكار السياسات، والتجريب، والتكيف. ونظرا إلى تمكين الحكومات المحلية من تكييف السياسات والبرامج وفقا لسياقها، أصبحت الصدمات السياسية أقل احتمالا. وقد أدى هذا الأمر إلى مواجهة أوجه القصور في المؤسسات الرسمية الصينية وتهدئة مخاوف القطاع الخاص بشأن حماية حقوق الملكية والوصول إلى الأسواق والبنية التحتية، ما ساعد على تحفيز الديناميكية على جميع مستويات الاقتصاد. وبالتالي، فقد لعب الابتكار السياسي على المستوى المحلي دورا أساسيا في دفع "المعجزة الاقتصادية" التي حققتها الصين. وفي الأعوام الأخيرة، أصبحت مثل هذه الابتكارات المحلية نادرة بشكل متزايد. ويرجع ذلك جزئيا إلى خوف المسؤولين المحليين من العواقب السياسية، وقد أدت حملة الحكومة المركزية المعززة لمكافحة الفساد إلى زيادة مخاوفهم. ومع ذلك، قد يعكس السلوك المتغير للحكومات المحلية أيضا التغييرات في حوافزها الأساسية، والناجمة عن الجهود الواضحة التي تبذلها الصين للابتعاد عن النظام اللامركزي في الماضي. سيخلف هذا التغيير آثارا بعيدة المدى على التنمية الاقتصادية في الصين. وما لم تلتزم الصين بمواصلة الإصلاحات الهيكلية الشاملة وبناء نظام سوق أكثر شمولا، فإن الابتعاد عن النظام اللامركزي الإقليمي في الماضي سيكشف عن العيوب في نظامها الاقتصادي. ستصبح هذه العيوب ـ التي عملت المنافسة الحكومية المحلية في ظل نظام لا مركزي إقليمي على تخفيفها جزئيا على الأقل ـ عقبات تحول دون تحقيق الديناميكية الاقتصادية والنمو المستدام. خاص بـ "الاقتصادية" بروجيكت سنديكيت، 2022.
مشاركة :