تجري الانتخابات الوطنية الأمريكية كل عام زوجي؛ ففي كل أربع سنوات تكون الانتخابات العامة التي ينتخب فيها الرئيس ونائب الرئيس وثلث أعضاء مجلس الشيوخ ومجلس النواب بأكمله، وفي السنوات الزوجية التي لا توجد فيها انتخابات رئاسية، تكون الانتخابات النصفية لثلث مجلس الشيوخ، ومجلس النواب بأكمله كما حصل يوم الثلاثاء الماضي. ربما يكون عمر مجلس النواب الأمريكي المحدد بعامين هو الأقصر بين مجالس النواب الغربية، ويعيد مجلس النواب تكوين نفسه بعد كل انتخابات، فتموت مشروعات القوانين المعلقة، ويتم تعليق عمل اللجان القائمة، ويواصل النواب أحيانًا العمل إلى ساعات متأخرة في الليل بسبب قصر المدة وكثرة الموضوعات وتعقيداتها. ربما كانت الانتخابات النصفية التي جرت في الثامن من نوفمبر 2022م -وهو يوم الثلاثاء الأول في نوفمبر بعد أو اثنين في الشهر ذاته- من أكثر الانتخابات النصفية استقطابًا في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد كان الاحتقان بين أتباع الحزبين سيد الموقف، إضافة إلى قدر من الخوف من حدوث اضطرابات تعرقل الانتخابات أو الفرز. ومع أن الانتخابات النصفية عادة ما تكون نتيجتها عقابًا للحزب الحاكم، فقد تصرف الحزبان على اعتبار أنها مناجزة فاصلة وليس استحقاقًا دستوريًا يجري كل عامين. أضفى حضور الرئيس السابق ترامب إثارة، وأعطى نكهة مختلفة لهذه الانتخابات، وتصرف على أنه الشخصية المهيمنة على الحزب الجمهوري، وقليل جدًا عبروا عتبة الانتخابات التمهيدية من غير المدعومين من ترامب. آزر ترامب 25 مرشحًا لمجلس الشيوخ، فاز منهم إلى لحظة كتابة هذه المقالة 17 مرشحًا، كما دعم 162 مرشحًا لمجلس النواب فاز منهم 141 إلى هذه اللحظة. وكانت تمثلت أكبر ضربة تلقاها الرئيس السابق في خسارة الجمهوري محمد أوز أمام الديموقراطي جون فيترمان في ولاية بنسلفانيا، والتي قلبت مقعد مجلس الشيوخ من جمهوري إلى ديموقراطي. وفي كل الحالات لن يحصل الجمهوريون على الثلث المعطل لا في مجلس الشيوخ ولا في مجلس النواب، ولذلك فإنه رغم قدرتهم على عرقلة عمل الرئيس محليًا، فإن سلطاته في القضايا الدولية واسعة، ولن تتأثر كثيرًا حيث سيلجأ للفيتو وللأوامر التنفيذية. وسيكون الكونجرس منقسمًا بين أجندتي الحزبين بشكل حاد. يستطيع الجمهوريون محاكمة الرئيس أو أي من أعضاء الإدارة التنفيذية، ولكون الإدانة تتطلب أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ فإن الرئيس لا يمكن إدانته في أية محاكمة في الكونجرس، وهو ما حدث مع الرئيس ترامب حين أخفق الديموقراطيون في حشد ثلثي الكونجرس لإدانته وعزله. لم تتوقف غرابة هذه الانتخابات عند هذا الحد، وإنما تجاوزتها إلى حجم الإنفاق المبالغ فيه. لقد أكدت أن تمثيل الشعب في الكونجرس هي مهمة الأغنياء بالدرجة الأولى، بيد أن النظام الحزبي في الولايات المتحدة يسمح بتبني الأعضاء البارزين الذين يمكن أن يحققوا قصب السبق فيما لو دفع بهم إلى الواجهة، وخير الأمثلة على ذلك بيل كلينتون وباراك أوباما من الحزب الديموقراطي. لقد تخطت تكلفة الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة الأمريكية التي جرت الأسبوع الماضي 16.7 مليار دولار أمريكي، لتكون بذلك الأعلى كلفة على الإطلاق في انتخابات منتصف المدة. وبالمقارنة مع الأعوام 2006، 2010، 2014، 2018 فإن الفارق باهظ؛ حيث اُنفق على التوالي 10 مليارات، 10 مليارات، 10 مليارات، 14 مليار. فمن أين تأتي هذه المبالغ الضخمة؟ يسجل كثير من المتابعين لحملات التمويل والمتخصصين فيها نقاط ضعف في معرفة مصادر التمويل، فكثير منها غير معروف على وجه الدقة. خمسة سباقات للحصول على خمسة مقاعد في مجلس الشيوخ الأمريكي (جورجيا وبنسلفانيا وفلوريدا وأريزونا وأوهايو) تجاوزت 100 مليون دولار لكل منها؛ حيث كانت بنسلفانيا الأعلى إذ أنفق فيها على مقعد مجلس الشيوخ أكثر من 374 مليون دولار نصيب المرشح الجمهوري محمد أوز أكثر من 140 مليون دولار لوحده، وفي جورجيا أنفق المشرحان حوالي 271 مليون دولار، بينما لم تنفق ولاية ميزوري سوى نحو 70 مليون دولار. لقد كان نصيب الحزب الجمهوري من هذا الإنفاق حوالي 56 % والديموقراطي 43 % وبقية المستقلين والأحزاب الصغيرة الأخرى لم تحز سوى على 1 % من هذا التمويل.
مشاركة :