«هناك علاقة طردية بين اتساع رقعة المقدسات وتخلّف أية أمة!». *** ولد صاحبنا لأسرة شحاتة في صعيد مصر، ودرس الزراعة، ولكن اكتشف أن تخصصه غير مجدٍ، فتخلّى عن اسم «شحاتة» وعن ملابس عمال الزراعة، وارتدى رداء رجل الدين، وأطال لحيته، وأصبح يفتي ويسرد ما شاء من قصص، ويبيعها، فهناك دائماً من يصدق ويشتري، ومنها قصة «مملكة الغربان»، التي تعقد فيها المحاكم متى ما اقترف غرابٌ أحد الأمور التالية: هدم عش غيره، أو أخذ طعامه، أو اعتدى «جنسياً» على أنثى غيره من الغربان! ويستطرد المهندس الزراعي قائلاً إن المحكمة تترأسها أنثى، لأن في عالم الطيور والحيوانات الغلبة للأنثى(!). تبدأ المحكمة في أحد الحقول، مع إطلاق 3 نعقات، ويأتون بالمتهم تحت «الحراسة» وهو منكس الرأس، ضاماً جناحيه، ملتزماً الصمت، فتتلى عليه التهم، فإن ثبتت بحقه وأقرّ بها، ينتف ريشه أو يقتل بالنقر على رأسه، إن كان الجرم «اغتصاباً» لأنثى غيره! هذه ليست نكتة، ولكن هذا ما يسمعه أبناؤنا في بعض دور العبادة! أما في دور العلم، فقد قدّم الإعجاز العلمي للبشرية كماً هائلاً من الاكتشافات والاختراعات والإبداعات، التي خفّفت كثيراً من معاناة الأمم، وأطالت في أعمار البشر وسهلت حياتهم، وسارعت في زيادة إنتاجيتهم، وإجابت عن أسئلة طالما شغلت بالهم لآلاف السنين. من مظاهر الإبداع اكتشاف الطبيب الإنكليزي إدوارد جينر (1749 ــ 1823) Edward Jenner لقاح الجدري عام 1796، الذي سبق أن فتك بأرواح ملايين البشر، والمحظوظون أصابهم العمى. كما اكتشف الأسكتلندي ألكسندر فلمنغ Alexander Fleming في 1928 مضاد البنسلين penicillin، الذي ساهم في القضاء على أمراض صعبة عدة، ومنها الطاعون الذي حصد أرواح مئات الملايين. وفي 1943، اكتشف العالم الأميركي اليهودي سلمان واكسمان Selman Waksman مضاد ستربتوميسين Streptomycin الفعّال ضد مرض الدرن الرئوي، وكان لهذه الاكتشافات الثلاثة دور رهيب في انخفاض نسبة الوفيات، وارتفاع أعداد سكان الأرض! كما قام ويلهلم رونتغن، العالم الفيزيائي الألماني، باكتشاف أشعة إكس في 1895، وحصل على «نوبل»، لكنه تبرّع بمبلغ الجائزة للأعمال الخيرية، رافضاً إطلاق اسمه على اختراعه العظيم، وأهداه للبشرية جمعاء. وبسبب إبداعات بيل غيتس وابتكارات ستيف جوبز، تحوّل العالم إلى قرية صغيرة، وتوافرت مختلف المعلومات والعلوم على شاشات هواتفنا وكمبيوتراتنا! من كل ذلك نرى أن منهج العلم مختلف عن منهج الدين. فالعلوم البشرية تمتلك طبيعة التصحيح الذاتي لنفسها، أو عن طريق البشر، فتموت النظريات الخاطئة أو تتطور لتصحح اتجاهها. أما العقائد فهي، كما يفترض، ثابتة، وخالية من الشك، ولا تخضع للتجارب، وبالتالي كل ما يروج له هؤلاء العجزة عن إعجاز موجود في بعض الكتب الدينية أمر يجب عدم السماح به، لأنه يسيء للعقيدة، أكثر مما ينفعها، خاصة أن مئات ملايين الدولارات صرفت على هذه المواضيع، ذهب جلها لجيوب رجال الدين، من أمثال صاحب محكمة الغربان. إن لجوءنا إلى قصص الإعجاز سببه الإبهار العلمي، الذي جلبه الغرب لنا، وحالة الارتباك والإعجاب التي أصابتنا، فلم نجد طريقاً لمواجهة الضغوط غير الادعاء بوجود غير الموجود، وتملّك ما لا نملك.
مشاركة :