التلذذ بالجراح من بوابة الطائفية نفق مظلم لن يكون الخروج منه بالسهولة التي يتخيلها مُنَظِّر عابر أو متلون. هذا النفق يسعى لتهيئته المتطرفون وهواة التكفير وأعداء السلام والتعايش ومن يقهرهم أن يمرر مصطلح المواطنة على آذانهم، لأنهم مشغولون بالتصنيفات والتهديدات وإشعال الفتن... هؤلاء يستميتون في ترسيخ شعارهم الأشهر والأكبر «إن لم تكن معي.. فأنت ضدي»، ومن لوازم هذا الشعار ضخ أكبر قدر من الكراهية التي يعيشون على تبعاتها وتركتها. الضائقة الكبرى التي تتمدد على الطاولة الاجتماعية- الوطنية هي كيف نعلن ونجرؤ على توجيه الأصابع إلى «سين» من الناس بوصفه طائفيَّ الطرح والفكر والتوجه، أما ضبطه فمهمة سهلة في عالم إلكتروني يوثق المكتوب بالثانية والدقيقة. كثير من المضبوطين بالطرح الطائفي المقيت لا يعبأون بشيء على المطلق، يظنون حضورهم محاط بكمية وافرة من الشجاعة ومن الجماهيرية المدافعة عنهم للتشبع الكافي بالشعار الناسف لأي جهد في محاولات المصافحة والمصالحة. هذا الحضور المتأزم فكرياً لا يهمه ما إذا كنا نستيقظ على حمَّامات دم أو حمَامات سلام، هو لا يعرف السلام إلا في تنظيره الممل حين لا يجد شيئاً يتحدث عنه، ثم يتحول إلى حاقن وحاقد ومفتتن بتصفية الحسابات. إن جاء جرح واستوطن مساحة ما على أي خريطة، فالخريطة في نظره ما يرسمها بيده، لا تلك التي ولد وهي ماثلة شامخة حية طرية نقية أمامه. المتلذذون بالعزف على نغم الطائفية أو التلصص تحت عباءة المذهبية لا يريدون بنا خيراً، ويسحبون العامة إلى فوضى تقدم لنا جملة من الأمنيات ليس من ضمنها «الحياة السوية» ولن تكون حياتنا هكذا في ظل صراخهم وضجيجهم واستمرار نفث سمومهم. الأسوياء لا يريـــدون لأوطـــانهم التفتت ولا التفكك، الأسوياء تعرفهم في الشدائد وعندما تختلط الأوراق وتتداخل الحكايات والتأويلات، الأسوياء أيضاً تختبرهم من تعابير اللسان والجمل المسكوبة والآراء المتزنة في موقف طازج. مخيبٌ وصادم أن نتحول كائنات هشة تكره الحياة باعتبار أن الموت هو الحل لكل أمراضنا وخلافاتنا وصراعاتنا المستمرة، ولا غرابة أن نرى ذلك ما دام العقل يفكر بالنيابة، وما ظل الجسد يتحرك في سرب من القطيع وبمؤونة من الحماقة والخبث والتفاهة والسطحية لتمزيق نسيج وطعن وحدة. من يمزقنا سيتمزق معنا، وكلنا خاسرون، لكن الطائفية عود ثقاب مشتعل ويرمى بعناية في المساحات الخضراء ليأتي على ما يمكن ونعيش على تبعات القلق والأرق. لا أستثني أحداً من البنادق المستأجرة أو التي تظن أنها مأجورة، إنما أنا على يقين بأن الصامتين في اللحظات التي لا تحتمل الصمت هم عدو ظاهر، وكذلك فالمستثمرون لهذه اللحظات لغرض التأزيم عدو آخر ظاهر لا يستحق الثقة.
مشاركة :