اهتم عدد كبير من المفكرين والباحثين في الشرق والغرب بالدعوة إلى إثراء علم الاجتماع وميادينه، واستخدام مناهجه العلمية في دراسة المجتمع البشري وظواهره، واكتشاف قوانين النظام الاجتماعي الذي يحافظ على استقرار المجتمع وضبط توازنه. وقد أسهم كثير من المفكرين والمنظرين والعلماء في إثراء هذا الميدان العلمي الخصيب، وإشباع اتجاهاته السوسيولوجية. ومن أهم المنظرين والباحثين في علم الاجتماع في الجزائر.. عالم الاجتماع الراحل أ. د. (علي الكنز) السوسيولوجي القادم من عوالم الفلسفة إلى علم الاجتماع بعد أن أخذه هذا العلم الخصيب ليكون أحد أهم علماء الاجتماع في الجزائر والوطن العربي. ولد العالم الاجتماعي البروفيسور (علي الكنز) في الجزائر عام 1946 وأكمل تعليمه العام في موطنه ثم درس المرحلة الجامعية في جامعة الجزائر العريقة في الفلسفة ونال منها شهادة البكالوريوس في أوائل السبعينيات الميلادية من القرن الفائت ولاهتمامه بالظواهر الاجتماعية أتجه إلى مواصلة تعليمه العالي بعد أن سرقته وأخذته السوسيولوجيا واتجاهاتها البنائية والوظيفية والصراعية.. من الفلسفة وعوالمها متخصصا في علم الاجتماع ونال الماجستير من جامعة الجزائر وكان الكنز من الجيل الأول لخريجي جامعة الجزائر بعد الاستقلال الذي ضم علماء بارزين وقامات علمية مثل د. جيلالي اليابس ود. محمد بو خبزة ود. فوزي عادل ود شيخي السعيد وغيرهم من علماء الاجتماع الذين تخرجوا من قسم الاجتماع بجامعة الجزائر الذي وضع أسسه وقيامه عالم الاجتماع الفرنسي الشهير الراحل (بيير بورديو) مؤسس الجمعية الجزائرية للبحوث الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية, والعالم إيميل سيكار الذي ترأس أول قسم لعلم الاجتماع بجامعة الجزائر, ثم واصل قطار طموحه العالي مسيرته نحو زيادة التحصيل العلمي ودراسة الدكتوراه في جامعة باريس المخضرمة وكان أطروحته بعنوان: حول «التجربة الصناعية في المجتمع الجزائري» متخصصا في علم الاجتماع الصناعي. عرف عن العالم الراحل بكونه احد الثلاثة الذين تركوا بصمات واضحة وإسهامات علمية وبحثية بارزة في خارطة علم الاجتماع الجزائري مع عباقرة علم الاجتماع في الوطن العربي وهما: البروفيسور سعيد شيخي (1944-1993) والبروفيسور جمال غريد (1943- 2013) حيث ساهموا هؤلاء الرواد الأفذاذ تطوير اتجاهات علم الاجتماع النظرية والتطبيقية, وفي التحولات الاجتماعية في المجتمع الجزائري, ويعتبر العالم (الكنز) من رواد علم الاجتماع في الجزائر والوطن العربي وأحد أعمدتها الأساسية ممن كانت لهم منجزات علمية وإسهامات بحثية وكان كما كان يدل على اسمه (كنزاً) في العلم والفكر والعطاء والمعرفة.. فهو كان يصنف في مجتمعه المناضل باحث موسوعي كان شغوفا بدراسة المجتمع الجزائري على مدى عقودا من الزمن جمع في حقيبته العلمية المهارات البحثية من دقة الملاحظة والبراعة في التحليل والاستنباط والاستقراء والبحث والتطبيق ولا غرابة من ذلك فقد كان عالمنا العربي الراحل متأثر بفكر الأب الروحي لعلم الاجتماع (عبد الرحمن ابن خلدون) ومنهجيته العلمية الأصيلة, وأثث المكتبة العربية في علم الاجتماع بكتب قيمة ومراجع ودراسات ثرية في قضايا التصنيع والتنمية والاقتصاد والتغير الاجتماعي, وخلال مسيرته الأكاديمية في جامعة الجزائر عمل مديرا لمركز البحوث في الاقتصاد التطبيقي والتنمية الاجتماعية التابع للجامعة ثم غادر في منتصف التسعينيات الميلادية إلى فرنسا وعمل أستاذا (بجامعة نانت) فوجد بيئة تعليمية وبحثية وأكاديمية صحية ساعده في الحضور القوي بمساره العلمي والبحثي الإنتاجي في ميدان علم الاجتماع حيث كان من أوائل المفكرين في الأسئلة المعرفية حول المجتمع, فألف مجموعة من الكتب ونشر العديد من الدراسات والبحوث حول التحولات الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات العربية, ترجم بعضها إلى اللغتين العربية والانجليزية وهذه الإسهامات الفكرية والمعرفية- لا مناص - أثرت المكتبة العربية والعالمية بكتب ومراجع ودراسات ذات فائدة عظيمة للباحثين والمتخصصين في علم الاجتماع وفروعه. ومن أبرزها كتاب الاقتصاد في الجزائر1980 وكتاب الأساتذة المفكرون 1985, وكتاب على مر الأزمة 1993 وكتاب الصدفة والتاريخ 1990 وكتاب الجزائر والحداثة 1989 وكتاب المهجر 2009, وكتاب غرامشي في العالم العربي 1994 . توفي المفكر الكبير البروفيسور(علي الكنز).. ليلة الأحد 2 نوفمبر2020 في مدينة نانت الفرنسية عن عمر يناهز 74 سنة بعد معاناته المرضية.. فرحل بعد أن كان قامة من القامات الفكرية والهامات العلمية التي أنجبتهم جامعة الجزائر في حقل البحث السوسيولوجي وممن قدموا دراسات وأبحاث نوعية كمتخصص في التحولات الاجتماعية في الجزائر شملت مراحل متعددة من التاريخ الجزائري سواء مرحلة ما قبل الاستعمار أو مرحلة الاستعمار أو مرحلة الاستقلال بفكر خلدوني أصيل بعد كان في مسيرته العلمية يمارس البحث العلمي في حقول العلوم الاجتماعية والإنسانية مثل الفلسفة وعلم الاجتماع والتاريخ والاقتصاد لسنوات طويلة. وبرحيله فقد الوطن العربي مفكرا كبيرا وعالما اجتماعيا بارزا أثث مكتبة علم الاجتماع العربية بمؤلفاته ودراساته العلمية.
مشاركة :