ما نقوله اليوم عن الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، ودوره ورئيسه والعاملين فيه، ليس دفاعاً عنهم، فقد قام الكثيرون بهذا الواجب، بكفاءة واقتدار، فلم يتركوا فضلاً لمستزيد، وخصوصاً بعد أن توَّج مجلس الوزراء هذا الدفاع، ووضع النقاط فوق الحروف، واعتبر الجهاز الجهة المرجعية الرسمية الوحيدة للتعامل مع هذه الفئة من المقيمين. ويبقى من واجبنا هنا الإشادة بالأسلوب الذي التزم به الجهاز والقائمون عليه في ردهم على التُّهم القاسية التي وُجِّهت إليهم، والقائم على الشفافية والأرقام والوقائع. من جهة أخرى، فإن ما نخطه في هذه السطور لا يهدف إلى الاصطفاف في مواجهة الفريق الآخر، بمختلف أطرافه، لأننا نعتقد فعلاً أن الموضوع يتعلَّق بقضية وطنية بامتياز. وفي القضايا الوطنية يحق للجميع أن يُعرِب عن رأيه ويَعْرض اجتهاده. وللمجتهد أجر حتى لو أخطأ. لكننا - في الوقت نفسه- نشعر بأسفٍ حقيقي؛ لأن هذا الفريق، بمعظم أطرافه، ابتعد في أسلوبه عن مناقشة القضايا إلى محاكمة النوايا، واحتكر لنفسه الوطنية والصواب، وهذا أخطر أشكال الاحتكار. هدفنا مما نطرحه هو توظيف الزخم الحالي الذي حققته قضية المقيمين بصورة غير قانونية؛ نيابياً وحكومياً ومجتمعياً وإعلامياً، للدفع بصورة جادّة وموضوعية، خلال فترة زمنية محددة، نحو الوصول إلى حل جذري ونهائي لهذه القضية، التي اعتدنا أن نشهد لها مواسم وهبَّات، تعود بعدها إلى روتين التأجيل والتردد ودهاليز الدراسات واللجان، لتكبر وتنمو وتزداد خطورة. إننا لا ندَّعي إطلاقاً أننا نملك الحل المطلوب، بل نزعم أن أحداً الآن لا يملكه، لكننا على يقين أن تعاون السُّلطتين، في إطار احترام أصول وقواعد الفصل بين السُّلطات، قادر على التوصل إلى الحل الجذري الكفيل بإقفال ملف هذه القضية، على هدي العدالة، وفي إطار الدستور والتشريعات، وفي ضوء الجهود السابقة الممتدة منذ عام 1980 (القانون 100/ 80)، حتى اليوم، مروراً باللجنة الوزارية المختصة 1986، ومرسوم إنشاء اللجنة المركزية لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية في أكتوبر 1993، ثم اللجنة التنفيذية لشؤون هؤلاء المقيمين (مارس 1996)، والتوصيات التي تقدَّم بها المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية عبر تقريره في أكتوبر 2010، وأنشئ على أساسه الجهاز المركزي في نوفمبر من العام نفسه. وهو الجهاز الذي يتوافر لديه الآن من المعلومات والإحصاءات ما يساعد أصحاب القرار على اختيار الحل الرشيد والمُستدام، والذي يراعي - بتوازن وحسم - الأبعاد الرئيسية الأربعة لهذه القضية، والتي نُوجزها في التالي: - البُعد الإنساني، وهو البُعد الذي تعاملت معه الكويت بسجيتها السَّمحة، وبتفهم عميق، كما أعطاه الجهاز المركزي أولوية واضحة في جهوده، وبما يوفر لهذه الفئة من المقيمين ما توفره الدولة للمواطنين من خدمات أساسية، على اختلافها، ويهيئ لهم حياة كريمة. - البُعد السيادي، المتمثل بحق دولة الكويت السيادي، الذي لا تهاون فيه ولا تفاوض بشأنه، في الحفاظ على هويتها الوطنية ونسيجها الاجتماعي، وأمنها الأهلي، ونظامها السياسي. - البُعد السياسي، فمنذ نصف قرن تقريباً، توظف هذه القضية سياسياً كأداة فاعلة في تأزيم العلاقة بين السُّلطتين، من جهة، وفي تعكير علاقات الكويت الدولية من جهة أخرى، وفي تعزيز الاصطفافات الفئوية المختلفة من جهة ثالثة. وكلما طال عُمر المشكلة واستمر الخوف من القرار العادل والحاسم بشأنها، تعاظم خطرها كأداة تأزيم وتفريق وإضعاف على جميع المستويات، وإذا كان أكثرنا لا ينكر دور الأقليات الألمانية القاطنة بالنمسا وتشيكوسلوفاكيا في سقوط هاتين الدولتين بيد النازية، فإننا كلنا نعيش هذه الأيام دور الأقليات الروسية التي تسكن أوكرانيا في انفصال أقاليم عدة عن الدولة الأم. - البُعد التنموي، فإلى جانب ما تأخذه هذه القضية من جهد ووقت وتكاليف مباشرة من حساب المقتضيات التنموية، يجب علينا ألا ننكر أبداً ضغوطها الثقيلة المباشرة وغير المباشرة على السياسات والإجراءات، بل والمشاريع التنموية في الكويت، تحسباً لاعتبارات تتناقض تماماً مع توفير المناخ التنموي اللازم. وفي التلميح ما يغني عن التصريح في هذا الصدد. وفي النهاية، فإن قضية المقيمين بصورة غير قانونية تُعد نموذجاً صارخاً للتحديات والمصاعب والأوضاع التي تواجهها وتعيشها الكويت في الوقت الحاضر، نتيجة سياسات التأجيل والتردد والهروب إلى مزيد من الدراسات، و«جديد من المجالس واللجان». وإننا على يقين أن معالجة هذه القضية بحزم وحسم، ومن منظور العدل والأمن والسيادة، وفي إطار القانون الذي لا يسمح بظلم أحد، كما لا يسمح بمكافأة المخالف والمراوغ، ستفتح الطريق واسعاً لمعالجة تحديات الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي التي تواجهها البلاد.
مشاركة :