يقرأ الشعراء العرب مساء اليوم في وادي الحلو، والشعر في وادي الحلو صاف وعذب، وكما لكل امرئ من اسمه نصيب، لكل مكان أيضاً من اسمه نصيب، فقد سمي الوادي بالحلو لأن مياهه ومياه ينابيعه عذبة صافية. وادي الحلو فضاء جبلي يحيل إلى القوة والأصالة والرسوخ في الجغرافيا والتاريخ.. يحيط به الجبل كأنه يحرسه أو يؤاخيه، ثم تتخفف صلابة حجر الجبل بشجر السدر الذي يأوي إليه النحل، كما تتخفف الحجارة من طبيعتها الثابتة في الأرض بفعل الماء الذي يركض في ظهر الوادي، فيتحول المشهد برمته إلى قصيدة.. وبهذه المشهدية البكر.. يقرأ الشعراء في مكان شعري بامتياز.. مكان حقيقة الطبيعة وجوهرها الإبداعي الفطري والبري، مثلما الشعر في حق حقيقته فطري وبري، والشعراء جبليون بالفطرة أيضاً، حتى لو كانوا يعيشون بالقرب من شواطئ البحار، أو في تداعيات رمل الصحراء. يحيل الجبل إلى فكرة الصمت، ويحيل الوادي إلى فكرة الانسياب في تلك المؤاخاة بين الحجر والماء.. بين ما هو عمودي حتى وجه الغيوم، ويمثله الجبل، وما هو أفقي يعانق وجه الأرض والتراب، ويمثله الوادي، أو النبع، أو النهر. كل هذا، وغيره من استدعاءات جمالية وأرضية يحضر في قراءة اليوم الشعرية في وادي الحلو، وهي فكرة في أعلى الصواب أن يرى الشعراء، بل أي ضيف على الإمارات أن يرى الإمارات بحراً وصحراء وجبالاً وواحات وأفلاجاً وشجراً ونباتات وطيوراً وقلاعاً وسماء مؤثثة بطهارة ضوء الشمس. أكتب، في الحقيقة، لأحرض على الكتابة، فالعين التي ترى جبلاً أو وادياً أو ساحلاً للمرة الأولى تحتشد أولاً بصورة المكان، واسمه، وطبيعته، وجغرافيته، ثم ينتقل هذا الشغف من العين إلى القلب.. أي حب المكان، ومصادقته والاقتراب منه، ثم ينتقل هذا الشغف من القلب إلى العقل، أي البحث عن تاريخ المكان، وحكاياته، وأساطيره، وسردياته. في البال كتابان في ضوء هذه الانتقالات من العين إلى القلب إلى العقل.. الأول كتاب سرديات جبال منطقة داغستان للشاعر الجبلي رسول حمزاتوف الذي زار الإمارات في العام 1986، ونظم له اتحاد كتاب وأدباء الإمارات عندما كان مقره في شقة تقع في مبنى سكني في رأس شارع عبدالناصر في الشارقة أمسية شعرية لا تنسى، وهو شاعر جبلي ابن عائلة جبلية وأذكر كيف كانت لمعات عيني حمزاتوف وهو فرح بتلك الزيارة. الكتاب الثاني جماليات المكان للفرنسي غاستون باشلار، ونقله إلى أرواحنا المتعطشة لروح الأمكنة الروائي الأردني الراحل غالب هلسا. وادي الحلو.. وجباله.. مكان بطولة أرض فيها من الحنان على الشعر ما يوصف بالماء الصافي العذب. yosflooz@gmail.com
مشاركة :