من الخليج إلى المحيط صدحت الحناجر عاليا، في ثالث أيام المونديال، "سجل أنا عربي" بعد الفوز التاريخي للمنتخب السعودي على منتخب الأرجنتين، المصنف في المركز الثالث عالميا، وأقوى الفرق المرشحة للفوز في نسخة قطر. تمكن الصقور الخضر من تحويل أولى المواجهات، في رحلة البحث عن اللقب، إلى كابوس بالنسبة لرفاق الأسطورة ليونيل ميسي. تحقيق الأرجنتين للتقدم في المباراة من ركلة جزاء، تباينت التقديرات حول مدى مشروعيتها، لم ينل من عزيمة المنتخب السعودي الذي تخطى الهدف ودخل في المباراة بمعنويات عالية وروح قتالية، جعلت الآية مقلوبة على أرضية ملعب لوسيل، خاصة في الشوط الثاني من المباراة، الذي شهد انتفاضة الكتيبة السعودية، منذ الدقائق الأولى، وكأنها المرشحة للفوز بالكأس وليس منتخب الأرجنتين، واستمر إقدام الخضر حتى آخر دقيقة من المباراة، رغم تقدمهم بهدفين مقابل واحد، مفضلين شرف المواجهة ليصنعوا بذلك واحدة من أروع المقابلات في سجل تاريخ كأس العالم. "يا كاتب التاريخ.. مهلا"، عبارة رددها لاعبو المنتخب السعودي، مع صافرة بداية المقابلة، فلا الشرعية التاريخية 1893 ولا شرعية المشاركات 18، ولا حتى شرعية الفوز "مرتين"، استطاعت ثني الصقور عن اللعب بمهارات فنية وتقنيات المنتخبات الكبار، مؤكدين كلام الثعلب الفرنسي هيرفي رينارد "لا نشارك للتنزه في الدوحة، بل من أجل تقديم أفضل مستوى لنا ونجعل السعوديين فخورين بنا في الملعب وفي السعودية"، قبل أن يضيف فيما يشبه النبوءة بغزوة اليوم "يناسبنا أن نلعب بثوب المنتخب غير المرشح، لأن ذلك يخفف من الضغوطات على كاهلنا، وفي كل نسخة من كأس العالم تحدث مفاجآت كثيرة، ونأمل أن نحقق واحدة". فعلا ما حدث أكثر من مفاجأة، عربيا وعالميا، فهزيمة أمس مثلت صدمة لقائد وهداف الأرجنتين، ليونيل ميسي الذي يشارك للمرة الخامسة، وربما الأخيرة، في نهائيات كأس العالم، وهو يحاول مطاردة اللقب الوحيدة الذي ينقص خزانته. يذكر أن النجم العالمي تحدث، قبل أيام، عن حماسته لبداية المغامرة في كأس العالم، موضحا أن هذه النسخة خاصة جدا بالنسبة له. وكان اللاعب على حق فيما ذهب إليه، وإن لم يتوقع أن تكون الخصوصية من توقيع أقدام السعوديين. تعدى فوز الصقور الخضر حدود المملكة نحو العالم العربي بأسره، فانتصار أمس كان أول انتصار للعرب في هذه البطولة، والانتصار الرابع للسعودية في تاريخ المونديال. ويعيد إلى الذاكرة العربية مونديال 1994 في الولايات المتحدة، حين تفوقت السعودية على المنتخب البلجيكي بفضل اللاعب سعيد العويران الذي راوغ خمسة لاعبين، ثم سجل واحدا من أجمل الأهداف في تاريخ كأس العالم. فوز أمس يرفع رصيد انتصارات العرب في المونديال إلى 11 انتصارا منذ أول بطولة عالمية. في المقابل، أنعش الخضر ذاكرة الأرجنتين، فالهزيمة في أول ظهور بهذه البطولة، أعادتهم إلى مونديال إيطاليا في 1990، عندما خسر الفريق اللقاء الافتتاحي أمام منتخب الكاميرون، بهدف مقابل لا شيء، رغم مشاركة الأسطورة دييجو مارادونا. ما أشبه اليوم بالأمس، فحضور الأسطورة ميسي لم يحل دون تذوق الأرجنتينيين لمرارة الهزيمة على يد الصقور الخضر. منحت مباراة أمس المنتخب السعودي شرف تمثيل العرب والآسيويين في هزيمة الأرجنتين، بعد 82 مباراة في تاريخ مشاركاتها في نهائيات كأس العالم، منذ مونديال 1930 في الأوروجواي. كما ساعد المنتخب الإيطالي في الحفاظ على لقبه العالمي، بكسر سلسلة انتصارات منتخب الأرجنتين، بعد 35 مباراة دون خسارة لمنتخب التانجو، الذي يسعى إلى تجاوز إيطاليا "37 مباراة بلا هزيمة". لم تقس كتيبة الثعلب الفرنسي رينارد على الأرجنتين بقدر ما قست عليها الصحافة الدولية، فصحيفة ذا صن وصفت النتيجة بـ"اللدغة العربية"، فيما علقت التيلجراف عليها بعنوان "السعودية تهين أرجنتين ميسي.. صدمة بكأس العالم"، وفرحت الصحافة الألمانية بعنوان من قبيل، "أول خبر سعيد في كأس العالم، السعودية تهزم الأرجنتين" و"كأس العالم.. إذلال لميسي". وبلغ الأمر بالصحف البرازيلية حد شكر الصقور لتسببهم في هزيمة غريمهم التقليدي، فكتبت صحيفة تي إن تي "شكرا للمملكة، جعلتم صباحنا جميلا في البرازيل، شكرا لكم من 200 مليون برازيلي". ختاما، وجبت الإشارة إلى أن الإنجاز الرياضي الاستثنائي للمنتخب السعودي لا يمكن قراءته بمعزل عما تشهده المملكة من نهضة على جميع الأصعدة والمستويات، فأي محاولة للتعاطي مع الأمر بعيدا عن هذا السياق لا يستقيم، فالنجاح نجاح القيادة في تحريك جميع الجبهات والأصعدة لتحقيق النهضة والتقدم والازدهار.. فهنيئا للسعوديين بمنتخبهم ونهضتهم والعقبى للأفضل إن شاء الله.
مشاركة :