المخرج والناقد المسرحي محمد حسين حبيب ينتقد غياب الترجمة الحقيقية

  • 11/23/2022
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

حاوره : خضير الزيدي يعد الناقد والمخرج المسرحي محمد حسين حبيب اسما ملفتا في الدرس الاكاديمي شغلت طروحاته التنظيرية حيال المسرح الرقمي اهتماما بالغا بعد ان عززها في بحوث متنوعة لاقت في حينها مواجهات من قبل نقاد آخرين فمنهم من تفاعل مع طروحاته  ومنهم من كانت له رؤية مختلفة وبما ان المعروف عنه انه يبحث في كل جديد في خطاب الحداثة وتجديد الوعي والدعوة لقراءة المسرح مع كل متغير  يواجهه،ارتأينا ان نتحاور معه بعد ان قدم مسرحية الراديو ممثلا ومخرجا هذه الشخيصية الاكاديمية تعي  اهمية المسرح الجاد وتنظر له بانه افق من المعرفة ومساحة من الجمال. أرى لك نشاطا مهما في الاخراج والتمثيل هل ممكن أن يكون حقل النقد والتنظير في استراحة هذه الفترة لا ابدا.. انا بدايتي مع المسرح ممثلأ.. ثم مخرجا.. والتنظير او النقد جاء نتيجة لدراستي الاكاديمية وثقافتي الشخصية قبل ذلك طبعا والتي تأسست من قراءاتي المسرحية وانا طالب في الدراسة المتوسطة والاعدادية في سبعينات القرن الماضي.. نشاطي الاخراجي لم يتوقف اذا ما تابعت حضرتك منجزي الاخرجي التي حوى على 26 مسرحية منذ عام 1986 ولغاية اخراج لمسرحية الراديو عام 2021.. لكني كممثل نعم فيها انقطاعات زمنية بسيطة فعودتي ممثلا اليوم في عرض مسرحية الراديو، ما هو الا شوق وشعور مني بحاجتي الى متعة وقوفي على خشبة المسرح وما اجملها من متعة.. خاصة بعد المخاض الذي عشته وعشناه جميعا في ايام جائحة كورونا اللعينة وما خلفته علينا نفسيا من ضغوط كارثية، فكان خلاصي في اخراجي وتمثيلي مسرحية الراديو.. وفي القادم مشاريع اخرى كثيرة . دعني اتساءل هنا  بتصورك ما إشكالية المسرح العراقي ضمن اية حدود معرفية ونقدية تندرج تلك الإشكالية؟ لا توجد اشكالية بل توجد مشاكل ومعوقات وقصديات في التخريب والخراب، تقابلها – وهذا هو انتصارنا – تقابلها تحديات ومواجهات وتصديات وانطلاقات نحو التجريب والبناء من اجل العراق والانسان ولان المسرح حياة اذن هو يبني الانسان والحياة وبلا مقابل يذكر، المسرح يبني الوطن بلا مصالح تحزبية او شخصية ولان المسرح هو كذلك فسوف تجد دائما هناك من الطارئين عليه وعلى الوطن، يضعون المسرح وفنانيه الحقيقيين وسط مشاكل ويبتكروا له المعوقات المصنعة المقصودة من اجل اخماده وتقزيمه، الا اذا تم استثمار هذا "المسرح" من اجل مصالحهم وتلميع شعاراتهم الزائفة المؤقتة فتراهم يغدقون عليه الغالي والنفيس . لكن اذا كان المسرح هو المسرح الذي ينبغي ان يكون  عندها تجدهم  يحوطونه مادرت معايشهم، كما فعلوا مع استثمارهم الدين مثلا. لكن المسرح لا يمكن ان يستسلم لهؤلاء؟ اتفق معك لان المسرح لا يمكن ان يكون لعقا على لسان اي كان، لانه فعل ونتاج وابداع وفكر وجمال واخلاق وتربية ومدرسة، لهذا تجدهم يحاربونه بالسر ويتذرعون بدعمه والوقوف بجانب اصحابه، لكنهم يكذبون اما ما يتعلق بالحدود المعرفية والنقدية، نعم اقول هناك اشكاليات متراكمة ومتوالدة لاسيما في السنوات العشرين الاخيرة، تبدأ من احتضان المواهب الشبابية التي تعاني من اللااحتضان ومن اللارعاية.. هذه التي ينبغي توفرها في منتديات الشباب الرياضية والفنية، لان هذه المنتديات هي الانطلاقة الاولى للمواهب التي تحتاج ان تتنفس في فضاءاتها بعد ان عانت من اهمال المدرسة لها.. وبالتالي ووصولا الى المرحلة الجامعية يتوسع هذا الطمر المعرفي الدراسي لان طلابه وبعد تغيير سياسة القبول المركزية، ليسوا بموهوبين مطلقا بل ليس لديهم اي استعداد يذكر لدراسة الفن، الا ماندر وبسبة 1 الى 2 % اما الاخرين جاءوا من اجل الشهادة فقط والحلم بالتعيين الذي اصبح في منطقة الحلم ابدا وليس الواقع، فضلا عن الكوادر التدرسية نفسها فهي تعاني من نقص الخبرة المعرفية النظرية والعملية فالغالبية منهم اليوم مدرسين لمعلومات فنية موجودة في المناهج تقابلها عدم وجود خبرة عملية ما، فبالتالي ماذا تتوقع ان يكون واقع حال الطالب المتخرج؟ حتما سنؤسس – ندري او لا ندري – الى معرفيات خاوية لاتنتج شيئا. لكن إلا تجد ان المسرح بدأ يتعافى ويتخذ خطابا جماليا حينما يلتفت لإحياء النصوص المحلية بعيدا عن إخراج وتوظيف النصوص المسرحية الغربية التي تتكرر منذ زمن بعيد؟ لا وجود لمفردة التكرار مع الابداع، تكرار اخراج نص مسرحي مثل هاملت شكسبير هو انطلاقة ابداعية جديدة.. المخرج المسرحي هو الذي تقع عليه مسؤولية احياء النص القديم وبث الروح فيه من جديد . لذا فاقول : النصوص الغربية الاجنبية هي النصوص التي تعلمنا منها بحق، وهي النصوص التي يفيد منها الفنان المسرحي بتعدد تخصصاته سواء الاخراج او التمثيل او التقنيات لانها نصوص ثرية بكل مايمت بالبناء الدرامي الذي يجب  وبالتالي فهذه النصوص الاجنبية المترجمة اعدها مدارس مسرحية متنوعة نتعلم منها  ومع الاسف ان شبه غياب الترجمة في السنوات العشرين الاخيرة ايضا، على الصعيد العربي والعراقي، ادت الى ضعف ثقافتنا المسرحية وعدم مواصلتنا مع ما يجري عالميا من انتاج نصوص جديدة مغايرة للسائد والمألوف وهذا ما اعتدنا عليه في النص الغربي الاجنبي المترجم . ثم اقول، ان النص المحلي اذا ما كان ( قد تعافى ) كما قلت انت، رغم تحفظي على قولك، اقول ان هذا النص المحلي لم يكن ليتعافى او يتطور، لولا الاستناد على مرجعيات كاتبه الثقافية والكامنة في قراءته وملاحقته للنص الاجنبي، هذه المرجعية القرائية للكاتب العراقي هي التي جعلت من نصه المحلي اليومي الحياتي نصا محليا، ولا ننسى ان النصوص الاجنبية هي محلية ايضا في بلدانها عبرت عن ازمات شعوبها المختلفة، لذا فعندما اثرت على الكاتب العراقي فبداهة جعلته منغمسا في ازمات شعبه هو الاخر وقدم لنا نصوصا مسرحية مهمة. اود ان اعرف منك اين المشكلة؟ تكمن المشكلة بان غالبية كتابنا العراقيين اليوم لاسيما من الشباب منهم، هم لايقرؤون النص الاجنبي بل ويجدون في ذلك لهوا وضياعا وقت وبالتالي تجد ثقافتهم هشة ودليل ذلك ما يطرحون من نصوص واهمة حالمة تتشبث ان يختارها مخرج ما، وتتحكم في هذه الخيارات ثقافة المخرج التي تكون هشة هي الاخرى وفي النهاية يسقط الجميع في فخ الوهم والضياع لنجد انفسنا امام خراب مسرحي كبير لا خلاص منه، الا ان نبدأ من جديد.  لا زلت مهتما بنظرية المسرح الرقمي منذ 2005 هل ثمة توصلات أخرى إضافية لبحوثكم السابقة ممكن ان تعزز من محتواه التنظيري والتطبيقي؟ التوصلات والاكتشافات مستمرة نعم، لان القضية عندي اليوم اصبحت ليست مجرد (اهتمام) كما بدأت بها عام 2005، بل انها اليوم وسنتقرب من الربع قرن على اهتمامي الذي اصبح تخصصي ومسؤولية كبيرة انا من اوقعتها على نفسي وافتخر بذلك اليوم بعد ان اصبح المسرح الرقمي اليوم عراقيا وعربيا محط انظار واهتمام المشهد العلمي الجامعي الثقافي العربي والعراقي كذلك  هل تعرف ياصديقي عدد البحوث من الرسائل والاطاريح الجامعية العربية والعراقية التي تناولت علميا دراسة المسرح الرقمي وتقنيات المسرح الرقمي؟ هي كثيرة ومستمرة ولدي احصائية عنها طبعا، اعتقد هذا انتصار لنظريتي وافتخر بذلك.. عراقيا مثلا لقد أشرفت انا على اطروحتين جامعتين لكلية الفنون الجميلة بابل الاولى كانت للدكتور محمد كاظم الشمري عنوانها "جماليات التقنيات الرقمية في العرض المسرحي المعاصر" والثانية كانت للدكتور علي محمد عبيد وعنوانها "الواقع الافتراضي وانعكاساته في اداء الممثل المسرحي"، وقبل شهر تقريبا اشرفت ايضا على رسالة ماجستير عن (المواقع المسرحية الرقمية واثرها الاعلامي على الثقافة المسرحية العربية) الى جانب بحوثي الشخصية اذكر لك منها "خصائص الشخصية الرقمية في المسرح" و بحث اخر عنوانه  "جماليات السرد الرقمي في المسرح المعاصر" فضلا عن البحوث والمقالات النقدية التي راحت تهتم هي الاخرى بالمسرح الرقمي العربي او العراقي.. مقابل ذلك حصول تطورات كبيرة مع هذا النوع من المسرح غربيا او اجنبيا لوجوده لديهم منذ تسعينات القرن الماضي فبالتاكيد حدثت طفرات فيه والحمد لله انا متابع بتواضع لهذه التطورات التنظيرية منها والتطبيقية. هل تصف لي ذلك بأمثلة  حية؟ اذكر لك مثلا ان مجلة مسرحية فرنسية متخصصة بالنقد وضعت لها ملفا رئيسا عن المسرح الرقمي اسمها مجلة  "لعب" عام 2012 حتى ان الكثير من المهرجانات العالمية والعربية وكذلك الملتقيات والمؤتمرات الثقافية الادبية تتخذ من الثقافة الرقمية او الادب الالكتروني او المسرح الرقمي محورا رئيسيا في محاورها الفكرية.. وهذا ما حصل فعلا ومؤخرا مع مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته الجديدة القادمة في شهر ايلول 2022م ان يتخذ من المسرح والتكنولوجيا عنوانا رئيسا لمحوره الفكري وان يكون المسرح الرقمي احد المحاور البحثية في هذا المهرجان، وسيكون لدي بحث علمي اشارك فيه في المهرجان عنوانه "الشخصية الدرمية بين الرقمية المسرحية والسايبورغية السينمائية – دراسة مقارنة" وقبل ذلك كان مهرجان المسرح العربي الذي اقامته الهيئة العربية للمسرح عام 2016 في تونس قد وضع هو الاخر محورا عن تكنولوجيا المسرح كان لي في مشاركة بحثية ايضا وغيرها كثيرا،، والتواصل مستمر لان المسرح الرقمي هو مسرح المستقبل بلا منازع وعلى مسؤوليتي . قلتها عام 2005 "المسرح الرقمي قادم" وأؤكد عليها اليوم ايضا.  دعني أتساءل من وجدته من النقاد العرب والعراقيين يتقاطع مع تنظيراتكم حول المسرح الرقمي ما المختلف في التفكير أذا كان هناك رأيان متقاطعان؟ في بادئ الامر ومع حماستي الشبابية لمشروعي كانت الاختلافات تستفزني وكنت اتعامل معها بانفعالية، لكني حين اذكر ذلك الان ينتابني الضحك المخلوط بالاستهجان، مع هذا كان ايماني بما طرحت ونظرت له، يقف ورائي سندا لي، وحتى الاختلافات التي حدثت يبدو انها قوت من ايماني ودفعتني لمواصلة نظريتي واستمراريتها بعد ان تكشفت لي عوالم كانت مجهولة لدي . وايقنت ايضا ان في الاختلاف فائدة ثنائية مضاعفة، وفي الاتفاق فائدة احادية الجانب  حتى من اختلف معي سواء من النقاد العرب او العراقيين، يذهب البعض منهم الان في الكتابة عن المسرح الرقمي معترفا به تاركا معارضته له فيما سبق .لست هنا بصدد ذكر اسماء معينة، لكني اعذر البعض منهم في مخالفتهم المستمرة، مثلهم كمثل الذي اعتاد على استخدام الموبايل القديم الذي نسميه عراقيا "الطابوكه او الصرصر" جاهلا استخدام موبايل الكلكسي مثلا او الايفون.. واحترم استخدامهم ورايهم جدا، لكني في المقابل اطلب منهم احترام اراء غيرهم، لا السخرية والتنكيل تحت ذرائع التمسك بالاصالة والكلاسيكية، غير مصدقين مثلا كيف يمكن تصور الممثل شكلا رقميا لاعظام فيه ولا دم، وغير ذلك من تصوراتهم الثابتة. **  ألان بعد كل هذه الخطوات للمسرح العراقي هل يحق لي القول أن الرعيل الأول ومن تلاه كان أكثر تأثيرا في تأسيس خطاب مسرحي قادر على التواصل مع المتلقي واليوم نفتقد لأمثالهم ممن يؤسسون لخطاب أكثر جدية لكن لا تأثير في المتلقي..هذا الرأي موجود بين اكثر من مثقف مع وجود فوارق أسلوبية وتنظيرية فما وجهة ننظركم؟ الخطاب المسرحي الحقيقي اعتقد متواصل اليوم مع المتلقي بشكل فاعل مثلما كان خطاب وتواصل الرعيل الاول.. لكن المشكلة اليوم اجدها في المتلقي نفسه، في خياراته من العروض التي يشاهدها، فيما اسميه ب ( ثقافة المشاهدة ) المتلقي اليوم تنقصه الثقافة العامة، بالعكس تماما من ثقافة متلقي الامس او كما اسميته صديقي المتلقي لعروض الرعيل الاول ولاحدده لك زمنيا، تقصد متلقي الستينات او سبعينات القرن الماضي وحتى الثمانينات في نصفها الاكبر، اعتقد ان عروض ذلك الرعيل بمختلف مستوياتها طبعا كان متلقيها جاهزا فاهما متقبلا واعيا متفاعلا على وفق ثقافته ووعيه المتنور انذاك.. لكننا اليوم كمخرجين او منتجين لعروض مسرحية عراقية معاناتنا مع جهالة التلقي عامة، صحيح هناك نخبة وهناك عروض مهرجانات لكن العرض المسرحي للناس كافة وليس لجمهور محدد. ضحالة ما تركته عروض ما سميت بالمسرح التجاري ابان تسعينات القرن الماضي، خلفت لنا اليوم جمهورا متخلفا جدا لا يعرف من المسرح سوى حركات بهلوانية ونكات قرقوزية بذيئة ورقص عاهر ومغريات جسدية مراهقة تثير الغرائز الحيوانية حسب.. فكيف لنا اليوم محو وتغيير والقضاء على جميع قذارات التلقي هذه؟ اعتقد المسالة صعبة وتحتاج منا زمنا طويلا وتخطيطا مؤسساتيا واعيا على طول الخط.. وهذا هو صعب ايضا في ظل الاهمال التراكمي المؤسساتي المستمر للثقافة وللمسرح والفنون عامة. ما مستقبل المسرح في  بلد مثل العراق تتغير عقارب ساعة  الأحداث فيه نحو المجهول؟ اكيد هو مستقبل مجهول ايضا.. لا يتطور المسرح الا تحت ظل الاستقرار والوعي.

مشاركة :