في ظل انتشار وسائل التقنية والمنصات الرقمية وارتفا ع التكاليف وصعوبة الوصول إلى الجميع، يؤكد البعض أن الكتاب الإلكتروني نجح في تحقيق المعادلة الصعبة التي تتمثل في الانتشار بتكلفة أقل كما يتجه إلى هز عرش الكتاب الورقي الذي تراجع الإقبال عليه، وفي المقابل يرى البعض الآخر أن الكتاب الورقي سيظل سيد الموقف بدليل الإقبال الكبير على معارض الكتاب حاليًا، وعلى الرغم من إشادة البعض بالوضع الراهن، إلا أن آخرين يرون صعوبة في قيام صناعة كاملة عبر النشر الإلكتروني في ظل انتشار المنصات الرقمية التي وفرت آلاف الكتب بالمجان، فإلى آراء الضيوف.. ارتفاع السعر يحد من اقتناء الورقي في البداية تحدث جاسم محمد أشكناني مدير عام شركة بلاتينيوم للنشر والتوزيع بالكويت قائلاً: الكتاب الورقي لم يتأثر بالإلكتروني بشكل كبير في ظل وجود من يعشق رائحة الكتاب والأغلبية يرغبون في اقتناء الكتاب ويجدون متعة في تصفحه، وأشار إلى أن هذا الوضع لا يمنع الإقبال على الإلكتروني لصعوبة اقتناء البعض للورقي نتيجة ارتفاع سعره، وأعرب عن اعتقاده بأن الإلكتروني لن يلغي الورقي في ظل رغبة البعض في اقتنائه وتركه للأبناء والأحفاد كذكرى لهم بعد الرحيل. الورقي لا يزال بالصدارة قالت نجاة ميلاد صاحبة دار ابن رشد الفرنسية: إن تنوع وسائط النشر في عصر التكنولوجيا قلص نسبيًا من الإقبال على الكتاب الورقي حسب رأي البعض، لكني أعتقد وبالاعتماد على الإحصائيات الأمريكية والأوروبية ومن خلال تجربتي كموزع للكتاب الورقي أن الكتاب الورقي لا يزال يتربع على عرشه.. فبعد مرور الزمن لم تتجاوز مبيعات الكتاب الإلكتروني المكتوب في الدول الغربية تقريبًا حدود الـ(10%) والمسموع أقل بذلك بكثير، وفي الغالب يتم الإقبال على الكتاب الإلكتروني عند تعذر الحصول على الكتاب الورقي لبعد مسافات نقاط التوزيع أو نفاد النسخ الورقية، ولعل الحل في انتشار المطبعات الصغيرة حسب الطلب، التي يستطيع من خلالها القارئ طباعة نسخته الورقية بنفسه في دقائق، وهكذا يتعايش الكتاب الورقي مع الإلكتروني، مع توفير الوقت والمال وحماية البيئة. الكتاب الإلكتروني العربي ولد مشوهًا أما الأديب والشاعر إبراهيم الجريفاني فقال: يعيش الكتاب العربي أزمة اللحاق بمتغيرات العصر، واستحواذ وسائل التواصل الاجتماعي على اهتمام القارئ، وبدأنا نلمس ضرورة التغيير، ففي القطارات الأوروبية كنت تشهد الكتاب حاضرًا والآن هواتف التكنولوجيا هي رفيق السفر، وأشار إلى أن الكتاب الإلكتروني العربي ولد جنينًا مشوهًا بعدما تسارعت المنصات لتحويل الكتب إلى إلكترونية مجانية وبالتالي لم يحقق الهدف منه. وكمتابع أجد أن التغيير الحقيقي يجب أن يعيشه الأديب من خلال المتابعة وتسويق ناجح في حال التفاعل مع التقنية والمشكلة ليست بصيغة الكتاب ولكن تكمن بمدى تفاعل الكاتب. وأشار إلى أن التسرع غير المدروس للكتاب الإلكتروني أضر بالمؤسسات الصحفية العربية قبل الكتاب بينما صحيفة أمريكية حين تحولت مطلع الألفية الثانية لمعالجة الاشتراكات وضعف الإقبال على الورق حققت أرباحًا وأرقامًا لم تحلم بها مطبوعة. الكتاب الورقي الوسيط الأساسى للمعرفة يقول أستاذ الأدب الحديث والنقد بجامعة القصيم الدكتور أحمد الطامي: يظل الكتاب الورقي هو الوسيط الأساس في نشر العلم والمعرفة، وخير دليل على ذلك هو استمرارية معارض الكتب بهذه القوة الشرائية، و أشار إلى أن معرض الرياض الدولي للكتاب شهد مؤخرًا إقبالاً متزايدًا من عشاق الكتاب الورقي، وإذا كان الكتاب الإلكتروني دخل في منافسة مع الورقي لكنه لن يزيحه من عرشه، وخلص إلى أن الكتاب الورقي يستعصي على عوادي الزمن بعكس الإلكتروني ذي العمر المحدود والمقيد بتوفر الأجهزة الإلكترونية. المنصات تقود دور النشر للانتشار والربحية قال مالك دار خوارزم العلمية للنشر والتوزيع مسفر سعد البسامي: في عصر التكنولوجيا والتحول الرقمي الهائل يبدو أن نشر الكتاب الورقي قد يختفي ويحل الكتاب الإلكتروني محله، ومن وجهة نظري كصاحب دار نشر متخصصة في نشر الكتب الجامعية فإن المنصات الإلكترونية حاليًا منقسمة إلى قسمين الأول يخدم الكتب الأكاديمية الدراسية والثاني الكتب العامة والروايات وخلافة، و أرى أن المنصات التي تحتوي على خدمات إلكترونية هي أدوات مساعدة للكتاب الورقي تهدف إلى الارتقاء بالعملية التعليمية وسهولة وصول المعلومة وطريقة عرضها، ولا أعتقد أنها ستلغي دور الكتاب الورقي إلا إذا كان التعليم برمته متجهًا لمنهجية التعليم الإلكتروني، وبحسب البسامي، قد ينتج بعد ذلك مشاكل على مستوى المجتمع عامة لتغير مفهوم التعليم المعتمد على الكتابة والقراءة والاستماع المسمى بالتعليم التقليدي، وأشار إلى أن العالم حاليًا أصبح أقرب للاقتناع بضرورة وجود الكتاب الورقي في العملية التعليمية، أما الكتاب الإلكتروني الخاص بقسم الكتب العامة والروايات فأعتقد أنه أصبح أكثر انتشارًا وحل محل الطباعة الورقية، مشيرًا إلى اهتمام دور النشر المتخصصة ببناء منصات إلكترونية الأمر الذي ساهم بزيادة المبيعات مع تقليل المصاريف التشغيلية ووصول الكم الهائل من الكتب إلى مستهدفيها بكل سهولة. العلاقة تكاملية بين النوعين يقول الكاتب والشاعر حمد حميد الرشيدي: العلاقة بين الكتاب الورقي و الإلكتروني قائمة أساسًا على (التكامل) وليس على (التضاد) فلماذا يعتبرها بعضنا علاقة تنافر، أو تحدّياً بينهما، على غرار (كن أو لا تكن)، وأضاف: إن النظر إلى هذا الموضوع بهذه الفجاجة يجعلني أعتقد أن هذا الأمر يقصد به بعض هؤلاء افتعال (أزمة) تحاول المغالطة وإعطاء الأمور أكبر من حجمها الحقيقي، واستثارة القارئ والناشر والمثقف على حد سواء، وصرف اهتمامه نحو ما لا يفيده بشيء، وجعله في نهاية الأمر يكتشف أنه معنيٌّ بالمهم دون الأهم، وبظواهر الأمور دون بواطنها، وبكمالياتها دون أساسياتها. وأضاف: ينبغي علينا جميعاً أن ندرك قبل كل شيء أن الثقافة والمعرفة والتزود بها هو حق متاح للجميع، وإن اختلفت وسائلها وأساليبها التي نتلقاها بها، وهو ما يمثله تماماً الكتابان الورقي والإلكتروني في آن واحد دون اعتبار لتقديم أحدهما على الآخر أو تأخيره! وإن كان الكتاب الورقي هو (الأصل) فإن الكتاب الإلكتروني أيضاً هو -في الحقيقة- ليس إلا (صورة) طبق الأصل للكتاب الورقي! فأين المشكلة إذن إن كان يصح لنا أن نسميها مشكلة فعلاً؟!، وخلص إلى أن النتيجة واحدة تقريباً إلى حد كبير، فقط الاختلاف واقع لا محالة بين النشر الورقي والإلكتروني في الوسيلة وأسلوب التلقي وشكله وتوجيهه بالنسبة للناشر والقارئ، أما المادة أو المحتوى فهو واحد لا خلاف عليه، صحيح أنه ربما تكون هناك ناحية واحدة فقط يمكننا النظر إليها فيما يخص هذا الأمر من الناحية (التسويقية) الصرفة وهي المتعلقة بعامل (الزمن) وبعامل ماديٍّ آخر هو (التكلفة) حيث إن الكتاب الإلكتروني أصبح حالياً بحكم التطور التقني وتوفره لشريحة واسعة من المجتمع أسرع وصولاً للناس وأقل تكلفة مادية من نظيره (الورقي) أما فيما عدا ذلك فأعتقد أنهما شيء واحد.
مشاركة :