منذ عام 2004 والعاصمة البحرينية تشهد سنويًّا انعقاد منتدى «حوار المنامة»، الذي يعد تجمعا لكبار المسؤولين السياسيين والأمنيين والخبراء؛ لمناقشة قضايا السياسة الخارجية والدفاع في الشرق الأوسط، وحملت نسخته لعام 2022، عنوان «القواعد والمنافسة في الشرق الأوسط»، ودارت مناقشاته حول المخاطر المزعزعة للاستقرار المتمثلة في توثيق التعاون بين طهران، وموسكو، لا سيما التوسع في انتشار الأسلحة لتشمل صادرات الطائرات المسيرة إلى الأخيرة لاستخدامها في حربها مع أوكرانيا، بالإضافة إلى التطرق إلى موضوعات سياسة الطاقة، والتغير في سياسة الولايات المتحدة نحو المنطقة، ومبادرات حل النزاعات الإقليمية، وتحديث تقنيات الدفاع. ومن الجدير بالذكر، أن محللي الدفاع الغربيين قد دأبوا منذ فترة طويلة على تسجيل الدور المزعزع للاستقرار الذي تلعبه إيران، تجاه أمن الشرق الأوسط، لا سيما فيما يتعلق بدعمها المالي والسياسي والعسكري للجهات الفاعلة بالوكالة، وسعيها إلى امتلاك أسلحة نووية، وتصعيدها إنتاج الصواريخ الباليستية، فضلا عن الهجمات على السفن في الخليج العربي وبحر العرب. وفي هذا الصدد، أوضح بريت ماكغورك، منسق مجلس الأمن القومي الأمريكي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أن الأسابيع الأخيرة شهدت تغيرًا جذريًّا في نظرة العالم إلى طهران. وقد انعكست تلك الرؤى، خلال حوار المنامة، الذي عقده المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، في البحرين خلال الفترة من 18-20 نوفمبر2022، حيث أقر مسؤولون بارزون من المملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، بتزايد المخاطر التي تشكلها إيران على كل من الأمن الإقليمي والعالمي؛ وكان أبرزهم جيمس كليفرلي، وزير الخارجية البريطاني، الذي اتهمها بـ إراقة الدماء والدمار في جميع أرجاء المنطقة، في حين انتقدت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، انتهاكاتها الصارخة للقانون الإنساني والتي تُعد بمثابة جرائم حرب، بينما أشار كولن كال، وكيل وزارة الدفاع الأمريكية لشؤون السياسات إلى أنشطتها باعتبارها مصدرًا أساسيًا لعدم الاستقرار. وكان لافتًا في هذا الشأن، تأكيد كليفرلي، على المخاطر الأمنية للمنطقة والعالم الأوسع من أفعال إيران المزعزعة للاستقرار. وعلى وجه الخصوص، اعتبر أن تهريب الأسلحة التقليدية من قِبلها إلى الوكلاء والحلفاء والدول الأخرى يهدد المنطقة بأكملها، مؤكدا أن البحرية الملكية البريطانية، اعترضت مرتين خلال عام 2022، بأن شحنات صواريخ غادرت إيران. وفيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، وصفت أنشال فوهرا، في مجلة فورين بوليسي، خطة العمل الشاملة المشتركة لعام2015، بأنها دخلت غيبوبة في أحسن الأحوال، وربما ماتت بالفعل، محذرة من التهديد الأمني، جراء سعي إيران إلى امتلاك أسلحة نووية أكثر تقدمًا من أي وقت مضى، مشيرة إلى أن بريطانيا، مصممة على منعها من امتلاك قدرة أسلحة نووية. وعلى الرغم من أن وزير الخارجية البريطاني، قدم القليل من التفاصيل حول كيفية تأثير هذا الردع، مشيرًا إلى كيفية تعرض إدارة بايدن، لضغوط متزايدة من أجل الامتناع عن أي مفاوضات أخرى مع حكومة رئيسي، فقد رأت جمعية الحد من الأسلحة، أن زيادة مراقبة برنامج إيران النووي ستمثل نقطة انطلاق مثالية لتحقيق الاستقرار. من جانبها، كررت فون دير لاين، تحذيرات كليفرلي، حيث أوضحت أن إيران، زودت بالصواريخ عملية استهدفت الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى هجوم بطائرة مسيرة على ناقلة النفط باسيفيك زركون، قبالة سواحل عمان، فضلا عن إمداد روسيا بطائرات مسيرة، ترقى جميعها إلى انتهاكات صارخة للقانون الإنساني، والتي تُعد بمثابة جرائم حرب. وفي واقع الأمر، كان التركيز خلال المنتدى، على مخاطر التعاون المتزايد بين كل من روسيا، وإيران، بشأن انتشار الأسلحة. وانتقد كليفرلي، قيام الأخيرة بالمساعدة في نشر المزيد من إراقة الدماء والدمار في مناطق بعيدة، مثل العاصمة الأوكرانية كييف، حيث لجأت إلى بيع طائرات مسيرة مسلحة إلى موسكو، والتي استخدمت في قتل المدنيين الأوكرانيين. وفي الوقت نفسه، أشار كال -الذي حاول الربط بين خطورة تلك الطائرات بالنسبة إلى حرب أوكرانيا من جانب، والمخاطر الأمنية في الشرق الأوسط من جانب آخر- إلى أن الطائرات المسيرة الإيرانية تقتل الأوكرانيين، كما أنها لم تتوان عن ضرب أهداف في كل من السعودية والإمارات. وتحليلًا لروابط التعاون بين موسكو، وطهران، كتب سيث فرانتزمان، من المجلس الأطلسي، إن إرسال الأخيرة لطائرات مسيرة لاستخدامها في الحرب الأوكرانية، يمثل فصلًا جديدًا في العلاقات بين البلدين، وسيكون له أثر على أمن الشرق الأوسط، حيث يمكنها الآن دراسة كيفية استجابة الدفاع الجوي الغربي لطائراتها المسيرة، وبالتالي ستكون قادرة على إعادة ضبطها؛ لشن المزيد من الهجمات المستقبلية ضد دول الخليج. وتعليقًا على هذه الديناميكية، وجهت فون دير لاين، خطابها الرئيسي نحو معالجة النظام الدولي وكيفية الدفاع عنه من خلال التعاون كفريق واحد، والعمل على مواجهة تقويض إيران وروسيا للقواعد والمبادئ الأساسية لنظامنا العالمي، وهو الشيء الذي وصفته، بأنه لو ترك من دون رد سيكون فتيلاً لصراع لن ينتهي مهما طال. وعلى نطاق واسع، شجب المسؤولون الغربيون عمليات القمع التي تقوم بها طهران ضد الاحتجاجات المناهضة لحقوق الإنسان خلال الأسابيع الماضية. وفي هذا الصدد، فرضت المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، عقوبات ضد كبار المسؤولين الإيرانيين. وعند إعلان تلك العقوبات التي استهدفت 24 فردًا في 14 نوفمبر 2022، صرح كليفرلي، بأنها ترسل رسالة واضحة إلى المسؤولين عن الانتهاكات الواضحة لحقوق الإنسان. ومن جانبه، أعلن الاتحاد الأوروبي، أيضًا فرض عقوبات على أكثر من 30 شخصًا إيرانيا من كبار المسؤولين. وفيما يتعلق بالتداعيات المستقبلية لتصريحات القادة الغربيين حول الأمن الإقليمي في الخليج والشرق الأوسط، تم إعادة تأكيد الالتزامات المشتركة بالعلاقات الأمنية. وتحدث كليفرلي، عن أهمية الوقوف على مقربة من أصدقائنا في المنطقة عبر المساعدة في الدفاع عن أنفسنا وعنهم ضد أي هجوم محتمل، بينما تحدث كال، عن ضرورة تعاون الولايات المتحدة مع حلفائها وشركائها لردع وتعطيل برنامج الطائرات المسيرة الإيرانية، قبل أن يصل إلى المزيد من ساحات الصراع، فضلاً عن تأكيد أن واشنطن ملتزمة تمامًا بشركائها لتوفير آليات الردع المتكامل في المنطقة. وفي تأييد آخر لهذا، أعلنت فون دير لاين، استعداد الدول الأوروبية، للقيام بدورها، لتشكيل هيكل أمني أشد قوة، ضد انتشار الفوضى -على حد تعبيرها- في كل من الشرق الأوسط وخارجه. وعلى وجه الخصوص، شددت على أهمية توثيق التعاون في مجال الأمن البحري، وتبني نهج منسق تجاه إيران. وكجزء من هذا التقدير والاهتمام لقضايا أمن الخليج، أعلنت تعيين ممثل خاص للخليج من قبل الاتحاد الأوروبي. على العموم، اعترف الخبراء المشاركون في حوار المنامة، في نسخته الثامنة عشرة بوضوح بأن دول الخليج لطالما حذرت سنوات من مخاطر الطائرات المسيرة التي تزعزع بها إيران الأمن الإقليمي والعالمي، وأن المسؤولين الغربيين أخذوا أيضًا فترة طويلة لفهم، أنه بالإضافة إلى محاولة منع الانتشار النووي، يجب عليهم أيضًا التركيز على الأشكال الأخرى لانتشار الأسلحة، بدءًا من الطائرات المسيرة إلى الصواريخ الباليستية. لذلك، يمكن لنتائج وتوصيات هذا المنتدى، أن تشكل حدثًا فريدًا للمسؤولين الغربيين، الذين يولون اهتمامًا أكبر تجاه التحذيرات الأمنية لشركائهم في الشرق الأوسط، وخاصة فيما يتعلق بمخاطر انتشار الأسلحة الإيرانية، المزعزعة للاستقرار، ليس في المنطقة فحسب، ولكن في العديد من مناطق الصراع.
مشاركة :