د. عبدالله الغذامي يكتب: هل العقل كائن مفرد؟

  • 11/26/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

مال أفلاطون لفكرة أن العقل يحكم، وعارضه في ذلك ديفيد هيوم، وقال: إن العاطفة تحكم، وفيما يخص أفلاطون، فإنه قال بحكم العقل وتغليب قدرات العقل على كل أنظمة السلوك، وهو ابتدأ أولاً من موقفه السلبي ضد الديمقراطية التي يرى أنها قتلت سقراط، وأنها تجعل الغوغاء يحكمون وفي الوقت ذاته، فهو ضد الدكتاتورية، ولهذا لجأ لفكرة حكم الفيلسوف على أن هذه الأحقية المطلقة للفيلسوف لدى أفلاطون تأتي من نظرية أن العقل هو الأقدر على الحكم، وبما أن الفيلسوف يأتي على قمة الهرم العقلي، فهو إذن من يحكم ومنه تأتي العدالة، وهكذا راح أفلاطون يعالج نظريته في الحكم، غير أن السؤال الأهم هو حول هذه القدرة المطلقة للعقل التي عارضها هيوم وجعل العاطفة أقوى من العقل في الحكم، على أن العلة في الفيلسوف تأتي من شواهد السلوك للفلاسفة أنفسهم، ذاك السلوك الذي وصفه روسو بالغرور الفلسفي لدرجة التعصب في الرأي حتى ليرى الفيلسوف أن خطأه أحق من صواب غيره، ومتابعةً لملاحظات روسو هذه، فإن اللجوء للفيلسوف والعقل للاحتكام لهما سيوقعنا بتحديد العقل، وهل هو العقل الفردي الذي يقول كل واحد منا عن نفسه إنه عاقل بصيغة الفاعل، ومن ثم فحكم هذا الفرد متصل بثقته الذاتية، بينما الواقع أن العقل الفردي يتغير حسب الظروف والأحوال وحسب درجات المعرفة، وكلما تغيرت ظروفنا أو تغيرت معارفنا تغيرت معها معقولاتنا مما يعني تغير عقولنا أيضاً ولو تدرجنا بالتحول نحو العقل الجمعي لترقية مستوى العقل الفردي، فإن الجمعي هو خلاصة مجموعة من الأفراد، وهنا سيكون العقل الجمعي تفاوضياً ويغلب فيه ذوو الغلبة المنطقية أو السلطوية، والعقول تختلف بالضرورة، فأي واحد من المختلفين سيسيطر ويفرض وجهة نظره ويدفع غيره للتسليم بقوله، ومن ثم نعود للعقل الفردي، وإن أتى بصيغة العقل الجمعي، وهذا ما حير هيجل وجعله يلجأ لنظرية العقل المطلق الذي هو الروح، حيث يتحد العقل مع الروح وحينها يدرك المرء المعاني الكبرى، ولكن تظل هذه أيضاً حالةً فرديةً ويصل إليها بعض البشر في حالة تجل عليا يأتي منها الإيمان كما تأتي المحبة بصيغتها المطلقة، ومن ثم فكل حديث عن العقل سيحيلنا في النهاية إلى العقل المفرد، وسيكون حكم العقل حكماً فردياً وتمثلاته كلها فردية حتى في مستوى العقل المطلق كما تصوره هيجل.

مشاركة :