رهان الحضور المونديالي.. التحدي الأكبر لكل مستضيف

  • 11/30/2022
  • 20:09
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

حزم حقائبه، بعد أن ألقى نظرة سريعة في داخلها، القميص الأصفر والبنطال الأزرق في أبهى حلة، قبيل رحلة طيران طويلة قدرها 13 ساعة. نظرة أخرى نحو السرير تلمس الغطاء وأغمض عيناه مسترخيا ومستعيدا شريط ذكريات الماضي السعيد أثناء انتصار بلاده بكأس العالم 1970، لحظتها تساءل، هل سيرفرف علم بلادي مجددا بعد 20 عاما؟، صحيح أننا سنواجه الفتى الأرجنتيني الذهبي مارادونا، والقائد الإيطالي الشرس بيرجومي، لكنني أثق في دونغا وروماريو وبيبتو. هذا المشهد عاشه البرازيلي كلوفيس أكوستا قبل ساعات من سفره إلى إيطاليا لتشجيع بلاده في مونديال 1990، كل شيء سار على ما يرام في بلاد البيتزا والباستا والأجبان الطازجة، حتى واجهت البرازيل الأرجنتين في الأدوار الإقصائية وخسرت بهدف كانيجيا، يومها ردد الأرجنتينيون بملعب أرينا فونتي نوفا الأغنية الشهيرة: "..برازيل أخبريني ما هو شعورك الآن، السيد جاء إلى أرضكم، نقسم رغم مرور الأعوام أننا لن ننسى أبدا، كيف راوغكم دييغو وكيف سجلها كانيجيا، أنت تبكين منذ إيطاليا إلى اليوم". في المقابل لم يتخل المشجع أكوستا عن السفر وراء فريقه حتى صار أيقونة التشجيع الكروية وصحبته دموع الملايين حين توفي متأثرا بالسرطان في 2015. استوعبت الولايات المتحدة جيدا، مسألة استقبال المشجعين بعد مونديال إيطاليا حينما نظمت نسخة 1994، التي حضرها بحسب شبكة "سبورت دي" الرياضية، 3.57 مليون مشجع، وهو أعلى رقم لمن حضروا كأس العالم حتى الآن، وإن كان لذلك عدة أسباب أبرزها توقيت إقامة المونديال نفسه في موسم الصيف، وهو من ناحية توقيت مثالي نتيجة إجازة الموظفين والطلاب في كثير من دول العالم، من ناحية أخرى تقل فيه انتشار الأمراض عكس موسم الشتاء المعروف بفيروساته كالإنفلونزا وغيرها، ، وبعيدا عن مراهنات الفوز والخسارة وجوائز النجوم والتكاليف المالية، فإن ملايين المشجعين الذين أضحوا عنوان كل بطولة، أصبحوا التحدي الأكبر لكل دولة تفكر في استضافة المسابقة العالمية. "على الجميع معرفة أن مشجع كرة القدم ليس بالضرورة ثريا"، تصريح أطلقه الأسطورة الراحل مارادونا قبل انطلاق نسخة 1998 في فرنسا، وبحسب الكاتب الأوروغوياني، إدواردو غاليانو، في كتابه "كرة القدم في الظل والشمس"، فإن صاحب القميص الأزرق رقم "عشرة" طالب باريس عاصمة النور بتوفير مساكن بأسعار زهيدة لعشاق الساحرة المستديرة، خاصة أن هناك دولا بات من المعروف أن مشجعيها يتبعونها في كل مكان مثل الأرجنتين والبرازيل، وهي دعوة استجابت لها حكومة الرئيس جاك شيراك، التي حظيت بعدد جماهيري جيد تجاوز 2.8 مليون مشجع. في نسخة 2002 في كوريا واليابان، اتسع المفهوم أكثر، وأصبحت الدولة المستضيفة تبذل أقصى ما في وسعها من أجل جذب أكبر عدد من الجماهير إلى أراضيها، وذلك ليس من أجمل المتعة والإثارة أو بغرض توسيع قاعدة مشجعي كرة القدم، لكن لأنه كلما زاد عدد المشجعين المخلصين لدولهم، زاد حجم المكاسب المالية، سواء من خلال ارتفاع في نسب إشغال الفنادق والمنتجعات والشقق، أو من خلال ما ينفقه المشجع نفسه أثناء فترة إقامة البطولة، خاصة في أوقات الفرح، على المطاعم والمقاهي ومتاجر البيع بالتجزئة وكذلك المواصلات العامة، ولذلك، فإن حضور 2.7 مليون مشجع أسهم في أرباح وصلت إلى تسعة مليارات دولار. وفرت جنوب إفريقيا في 2010 كثيرا من المساكن زهيدة الثمن، ونجحت في حضور جماهيري وصل إلى 3.17 مليون مشجع، وبعوائد بلغت 4.9 مليار دولار، بينما أفاد تحقيق أجرته مؤسسة معهد الأبحاث الاقتصادية "إف أي بي آي" بأن مونديال البرازيل 2014 ضخ عشرة مليارات يورو في الاقتصاد المحلي ما أوجد مليون وظيفة في سابع اقتصاد عالمي، بيد أن وزارة السياحة أكدت أن الفوائد الاقتصادية الحقيقة وصلت مليار ونصف المليار يورو من عائدات السائحين فقط، كما وصلت نسبة الإشغال في الفنادق 93 في المائة. أقدمت موسكو على حركة ذكية جدا، حيث غيرت من قوانينها من أجل تسهيل دخول المشجعين إلى أراضيها لرؤية مباريات كأس العالم 2018، حيث سنت قانونا يسمح بدخول السياح بهوية رياضية تدعى "فان أي دي" إذ يمكن الحصول عليها مقابل تذكرة المباراة وجواز السفر مع استخدام القطار بالمجان، ونتج عن تلك الإجراءات توافد جماهيري وصل إلى ثلاثة ملايين، وقد كشفت رئيسة رابطة وكلاء السياحة الروسية، مايا لوميدزه، عن تجاوز إيرادات 13.5 مليار دولار وتوفير 220 ألف فرصة عمل بعد، في حين أعلن مصرف "سبيربنك" الروسي أن إنفاق السياح الأجانب خلال المونديال بلغ 5.1 مليار دولار، أكثرهم إنفاقا كان الأمريكيون بـ90 مليون دولار. حاليا في مونديال قطر 2022، تخلف المشجعون عن الحضور لعدة أسباب، الأول توقيت المسابقة لم يعد في الصيف كالمعتاد، وهو ما أثر كثيرا في حركة المشجعين المرتبطين بأبنائهم الذين سيخوضون امتحاناتهم الدراسية بعد أسابيع قليلة، والسبب الثاني تخوف كثيرون أيضا من إصابتهم بأمراض متعلقة بفيروس كورونا وسط تحذيرات الأطباء منه في فصلي الخريف والشتاء، أما العذر الثالث أزمة الإقامة في الدوحة إذ وصل الحد الأدنى 250 دولارا في الليلة الواحدة، أما الحد الأعلى فهو 3500 دولار، وهو مبلغ مرتفع نسبيا بالنسبة إلى الجماهير، خاصة القادمة من أمريكا اللاتينية، ولذلك اضطر عدد كبير منهم إلى الإقامة في دبي، أما مصر فمنحت حاملي بطاقة "هيا" خصم قدره 10 في المائة في المنشآت الفندقية في شرم الشيخ والغردقة. أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" في آخر تحديث له، عن بيع ثلاثة ملايين تذكرة لحضور مباريات كأس العالم في قطر، وبحسبة بسيطة، من خلال قسمة العدد السابق على 64 مباراة مجموع لقاءات البطولة كاملة، يتضح أن كل مباراة نصيبها نحو 47 ألف مشجع فقط، وهو رقم قد لا يضمن لقب "النسخة الاستثنائية" بعد أن كبد 220 مليار دولار، لبناء ملاعب راقية وفنادق فارهة ومطاعم ومنتجعات، وتطوير البنية التحتية، وتحسين الطرق السريعة والسكك الحديدية والموانئ والمطارات والمستشفيات، فيما أجاب حسن الذوادي الأمين العامة للجنة العليا للمشاريع والإرث في تصريحات سابقة عن قدرة البطولة على تغطية التكاليف وتحقيق الأرباح قائلا، إن ما تم إنفاقه يشكل لدينا استثمارات إنسانية في المقام الأول.

مشاركة :