وأظنه يميل كل الميل إلى «التقويم التأملي» إن صح القول، فتقويم الإبداع الشعري داخل القصيدة ينبع من التأمل المرادف لرؤية تكاد تكون شاملة للاستقلال المنطقي، المتمحور حول الهدف المنشود لتخيلات مسبقة تحرض على الإبداع وتدفع إليه، فالتقويم الشعري انطلاقا من هذا المفهوم يمثل في أساسه صراعا محتدما مع الفكرة، بحيث لا يكون الانشغال محصورا بتقدير القيمة الجمالية للإبداع بل بتقدير الاختيار للقيمة ذاتها، أي أن التقويم الجمالي في حد ذاته يعود إلى فكرته الفطرية، وليس عبر علاقاته المباشرة بأي غاية مطلقة، فالتقويم حينئذ يرسم العمل الفني أمام المبدع، فيصل إلى أسراره وأبعاده.بمعنى آخر، فإن المرحلة الشعرية ذات المضامين الإبداعية التأملية قد ترتبط بتأثيرها المباشر على المتلقي من خلال دوافع الشاعر الذاتية، وبالتالي فإنه يكشف إمكاناته التعبيرية وقدرته على التقويم التأملي المطلق برؤية تكاد تكون متكاملة، وهذا يعني أن التقويم الجمالي بأبعاده الظاهرة للعيان ينقسم إلى مرحلتين اثنتين تتمحور الأولى في التقويم التأملي، والأخرى في التقويم الشاعري، فاختيار الإمكانيات المتوافرة لدى الشاعر ترسم قيمة إبداعه، وإزاء ذلك فإن الإبداع الحقيقي يتواصل نحو الكمال بصيغه ومفرداته وأفكاره المطروحة، ويبدع الشاعر حينما يصطرع مع مادته المختارة فيصل بها إلى أفضل مرحلة وأكملها.
مشاركة :