هنا يكمن مأزق الكتابة!

  • 12/10/2022
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في‭ ‬معرض‭ ‬ردي‭ ‬على‭ ‬مقال‭ ‬الأخ‭ ‬الشاعر‭ ‬الإعلامي‭ ‬‮«‬علي‭ ‬الستراوي‮»‬‭ ‬والمعنون‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬حينما‭ ‬نكتب‭ ‬سيرتنا‭ ‬بألوان‭ ‬الطيف‮»‬‭ ‬المنشور‭ ‬يوم‭ ‬السبت‭ ‬3‭ / ‬12‭ / ‬2022م‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬أخبار‭ ‬الخليج‭ ‬–‭ ‬الملحق‭ ‬الثقافي‭...‬ أستطيع‭ ‬القول‭:‬ إن‭ ‬الكتابة‭ ‬في‭ ‬ارهاصاتها‭ ‬الأولى‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬انطلاقة‭ ‬الحضارة‭ ‬البشرية‭ ‬حينما‭ ‬كان‭ ‬الإنسان‭ ‬البدائي‭ ‬يلوذ‭ ‬بالكهوف،‭ ‬جرب‭ ‬الرسم‭ ‬على‭ ‬جدرانها‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يعتمل‭ ‬في‭ ‬أفكاره‭ ‬البسيطة‭ ‬من‭ ‬روتين‭ ‬يومه،‭ ‬رسم‭ ‬أشكال‭ ‬الحيوانات‭ ‬ثم‭ ‬تعمق‭ ‬في‭ ‬ذاته‭ ‬محاولا‭ ‬استنطاق‭ ‬صراع‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬تشغله‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الأحلام‭ ‬التي‭ ‬تزور‭ ‬منامه‭. ‬هكذا‭ ‬كان‭ ‬الأسلاف‭ ‬ثم‭ ‬تدرجنا‭ ‬في‭ ‬سلم‭ ‬الحضارة‭ ‬حتى‭ ‬وصلنا‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬لوحة‭ ‬مفاتيح‭ ‬الكومبيوتر‭ ‬وبعدها‭ ‬الهاتف‭ ‬الذكي،‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬شغف‭ ‬الكتابة‭ ‬وتلك‭ ‬الشعلة‭ ‬الكامنة‭ ‬في‭ ‬روحها‭ ‬تبقى‭ ‬المحرك‭ ‬الأول‭.‬ لكن‭... ‬أن‭ ‬يعتقد‭ ‬المرء‭ ‬لحظة‭ ‬عشقه‭ ‬للكتابة‭ ‬بأن‭ ‬أصابعه‭ ‬ستبقى‭ ‬في‭ ‬منأى‭ ‬عن‭ ‬لسع‭ ‬جمرها،‭ ‬فهذا‭ ‬مُحال،‭ ‬لكون‭ ‬الكتابة‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬مسؤولية‭ ‬تترتب‭ ‬عليها‭ ‬تحديات‭ ‬جمـة‭ ‬ورهانات‭ ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬أخطرها‭ ‬اضطراب‭ ‬موج‭ ‬حياة‭ ‬المرء‭ ‬لما‭ ‬يجد‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬العاصفة‭ ‬وتحت‭ ‬اللحظات‭ ‬الحاسمة‭ (‬أيكون‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬الوفاء‭ ‬بنذور‭ ‬الهوى‭ ‬والاستعداد‭ ‬لدفع‭ ‬الثمن‭ ‬أم‭ ‬سيختار‭ ‬السلامة‭ ‬لنفسه‭ ‬ويفلت‭ ‬من‭ ‬حريق‭ ‬الورطـة؟‭!).‬ ثمة‭ ‬امثلة‭ ‬كثيرة‭ ‬ربما‭ ‬تحضر‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬القارئ‭ ‬حول‭ ‬دفع‭ ‬ثمن‭ ‬الكتابة‭ ‬وما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬للكاتب‭ ‬عندما‭ ‬يتمسك‭ ‬بحبره‭ ‬ويصر‭ ‬على‭ ‬الطيران‭ ‬خارج‭ ‬السرب‭ ‬كيفما‭ ‬كانت‭ ‬قناعاته‭ ‬‮«‬نتفق‭ ‬معها‭ ‬أو‭ ‬نرفضها‮»‬‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬مجازًا‭ ‬‮«‬جمـرٌ‮»‬‭ ‬عصي‭ ‬على‭ ‬الإمساك‭ ‬به،‭ ‬تمتزج‭ ‬فيه‭ ‬لحظـة‭ ‬اللذة‭ ‬مع‭ ‬القلق،‭ ‬المغامرة‭ ‬والتمرد،‭ ‬القنوط‭ ‬أو‭ ‬الحلم،‭ ‬السفر‭ ‬إلى‭ ‬فراديس‭ ‬أخرى‭ ‬أو‭ ‬التعثر‭ ‬في‭ ‬حُفر‭ ‬الجحيم،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬تفضي‭ ‬به‭ ‬عوالم‭ ‬الكتابة‭ ‬التي‭ ‬تقرأ‭ ‬ما‭ ‬حولها‭ ‬في‭ ‬زحام‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭..‬ يقول‭ ‬الأديب‭ ‬العالمي‭ ‬‮«‬فيكتور‭ ‬هوجو‮»‬‭... ‬كل‭ ‬صخرة‭ ‬هي‭ ‬حرف‭ ‬وكل‭ ‬بحيرة‭ ‬هي‭ ‬عبارة‭ ‬وكل‭ ‬مدينة‭ ‬هي‭ ‬وقفـة،‭ ‬فوق‭ ‬كل‭ ‬مقطـع‭ ‬وفوق‭ ‬كل‭ ‬صفحة‭ ‬لي‭ ‬هناك‭ ‬دائمـًا‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬ظلال‭ ‬السحب‭ ‬أو‭ ‬زبد‭ ‬البحر‭.‬ هكذا‭ ‬نقرأ‭ ‬عوالم‭ ‬الكتابة‭ ‬ونعيش‭ ‬اشتعالاتها،‭ ‬فالشاعر‭ ‬والكاتب‭ ‬والمثقف،‭ ‬يقف‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬خندقـه‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬الفاصلة‭ ‬التي‭ ‬ينجح‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬قنص‭ ‬الفكرة‭ ‬العبقرية‭ ‬التي‭ ‬ستغير‭ ‬مسار‭ ‬حياته‭. ‬لفت‭ ‬نظري‭ ‬أحد‭ ‬الكتاب‭ ‬الشباب‭ ‬المبتدئين‭ ‬وهو‭ ‬يتساءل‭ ‬عبر‭ ‬صفحة‭ ‬أدبية‭ ‬على‭ ‬موقع‭ ‬‮«‬فيس‭ ‬بوك‮»‬‭ ‬يسأل‭ ‬عن‭ ‬كيفية‭ ‬إيجاد‭ ‬فكرة‭ ‬رواية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكتبها‭ ‬وتكون‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬العبقرية‭ ‬لم‭ ‬يسبقـه‭ ‬أحد‭ ‬إلى‭ ‬ابتكارها؟‭! ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬سؤال‭ ‬عفوي‭ ‬ولكن‭ ‬بذات‭ ‬الوقت‭ ‬يدل‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬قلة‭ ‬الخبرة‭ ‬في‭ ‬استيعاب‭ ‬‮«‬ماهية‭ ‬الكتابة»؟‭! ‬اليوم‭ ‬الكاتب‭ ‬في‭ ‬الوسط‭ ‬الثقافي‭ ‬من‭ ‬الصف‭ ‬الثالث‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الخامس‭ ‬في‭ ‬ترتيب‭ ‬انتشاره‭ ‬الإقليمي،‭ ‬ربما‭ ‬يبلغ‭ ‬الخمسين‭ ‬عامـًا‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يكدح‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬الكتابة‭ ‬يصارع‭ ‬التهميش‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬ضوء‭ ‬الشمس‭ ‬وسط‭ ‬غابات‭ ‬كثيفة‭ ‬من‭ ‬ألوف‭ ‬مؤلفة‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬وربما‭ ‬يدركه‭ ‬الرحيل‭ ‬قبل‭ ‬الفوز‭ ‬بجائزة‭ ‬ادبية‭ ‬مهمة‭.‬ لذلك‭... ‬ليس‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المرء‭ ‬كاتـبًا،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬أجد‭ ‬شخصيـًا‭ ‬بعد‭ ‬حوالي‭ ‬ثلاثين‭ ‬عـامًا‭ ‬مرت‭ ‬من‭ ‬عمري‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬القارب‭ ‬الذي‭ ‬يحملني‭ ‬فوق‭ ‬الموج‭ ‬مستقرًا‭ ‬بما‭ ‬يكفي‭ ‬لأن‭ ‬اعتبر‭ ‬الكتابة‭ ‬لعبـة‭ ‬سهلٌ‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬بلاطها‭ ‬الملكي‭ ‬المهيب،‭ ‬فما‭ ‬أجهله‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬أعرفه‭ ‬عنها،‭ ‬الكتابة‭ ‬ليست‭ ‬هذيان‭ ‬المغامرين‭ ‬الباحثين‭ ‬عن‭ ‬الوجاهة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬أو‭ ‬الهرولة‭ ‬لأندية‭ ‬الجوائز‭ ‬الأدبية‭ ‬المشهورة،‭ ‬وليست‭ ‬تسلية‭ ‬عابرة‭ ‬للطارئين‭ ‬ولا‭ ‬مزاح‭ ‬الأثرياء‭ ‬الذين‭ ‬يريدون‭ ‬شراء‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬موهبة‭ ‬الكتابة؟‭!‬ لنكتب‭ ‬فنحن‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬حُلم‭ ‬يسري‭ ‬مسرى‭ ‬الدم‭ ‬في‭ ‬عروقنا،‭ ‬نؤمن‭ ‬به‭ ‬ونقاتل‭ ‬في‭ ‬سبيله‭... ‬‮«‬على‭ ‬الكتابة‭ ‬أولاً‭ ‬أن‭ ‬تمنحنا‭ ‬فرصة‭ ‬للحلم‭ ‬وإلا‭ ‬فلن‭ ‬تكون‭ ‬إلا‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الكلمات‭ ‬التي‭ ‬شأن‭ ‬لها‮»‬‭ - ‬واسيني‭ ‬الأعـرج‭. ‬ربما‭ ‬عمـرٌ‭ ‬واحدٌ‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬لأيما‭ ‬كاتب‭ ‬أن‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬اختبار‭ ‬الكتابة‭ ‬ذاتها‭ ‬فيترك‭ ‬بصمة‭ ‬فارقة‭ ‬قبل‭ ‬رحيله‭ ‬عن‭ ‬وجه‭ ‬الأرض،‭ ‬هنا‭ ‬يكمن‭ ‬مأزق‭ ‬الكتابة‭ ‬التي‭ ‬يستسهلها‭ ‬الكثيرين‭ ‬ولم‭ ‬تنضج‭ ‬تجاربهم‭ ‬بما‭ ‬يكفي‭ ‬لكن‭ ‬ثمة‭ ‬أصوات‭ ‬تدرك‭ ‬سر‭ ‬اللعبـة‭ ‬وتتمسك‭ ‬بجذوة‭ ‬نار‭ ‬المعرفة‭ ‬وتبدأ‭ ‬الطريق‭ ‬في‭ ‬عـزم‭ ‬وإصرار‭ ‬على‭ ‬النجاح‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬الثمن‭.‬

مشاركة :