بين مركز «تريندز للبحوث والاستشارات» أن أهم أسباب الانشقاقات التي حدثت داخل جماعة «الإخوان» الإرهابية عبر تاريخها الطويل تتمثل في: «فجوة الأجيال، والنزعة المركزية، وافتقاد القائد الكاريزما، والسوق الدينية أو رأس المال الرمزي، وتحدي التماسك وسط جماعات السخط والمعارضة وتأثير ذلك على ترابط التنظيم، وأخيراً التقصير في تمكين الشباب». وفي الكتاب التاسع الذي أصدره المركز من موسوعته حول جماعة «الإخوان» بعنوان «الانشقاقات داخل جماعة الإخوان»، ذكر أن جماعة «الإخوان» شهدت منذ تأسيسها حتى نهاية حكم الرئيس الراحل عبد الناصر عام 1970، عددًا من الانشقاقات المهمة، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال اقتراب تاريخي ومؤسساتي. وأوضح أنه خلال عهد الرئيس السادات لم تشهد جماعة «الإخوان» أي انشقاقات تنظيمية، صغيرة كانت أو كبيرة، بل إن الجماعة شهدت في هذه الفترة انتشارًا كبيراً في المجتمع، ونمواً ملحوظاً في هيكلها التنظيمي، مشيراً إلى أن عدة عوامل أسهمت في عدم تعرض «الإخوان» لأي انشقاقات خلال هذه المرحلة التاريخية، أولها رغبة الرئيس السادات نفسه في التصالح مع الجماعة، وثانيها انشغال الجماعة بإعادة البناء التنظيمي، بالإضافة إلى نجاح المرشد الثالث عمر التلمساني في إدارة الخلافات داخل الجماعة. وأشار الكتاب إلى أنه على الرغم من محافظة الجماعة على تماسكها التنظيمي في السنوات الأولى من عهد الرئيس مبارك، فإن نغمة الانشقاقات عادت مرة أخرى إلى الجماعة بعد وفاة التلمساني 1986، مبينة أن الانشقاقات التي تعددت أسبابها وتباينت في حجمها وطبيعتها، تمحورت حول أمرين رئيسين: الأول، هو سلوكيات رجال النظام الخاص والقطبيين، التي أدت إلى ابتعاد «الإصلاحيين» عن الجماعة، والثاني، هو الخلافات التنظيمية حول بعض المواقف التي كانت الجماعة تتخذها إزاء بعض القضايا، ولاسيّما مع بروز جيل جديد من الشباب داخل الجماعة يُعَدُّ أكثر انفتاحًا على العمل السياسي من الجيل القديم. وتوقف الكتاب عند الانشقاقات التي شهدتها الجماعة منذ 25 يناير 2011 حتى وقتنا الحاضر، مشيرًا إلى أنها تُعَدُّ هي الأكبر والأخطر، بالنظر إلى كونها اتخذت الطابع الجماعي، الذي سرعان ما تحول إلى صراع على قيادة الجماعة، ثم تفاقمت حدته بسبب اختفاء معظم القيادات التاريخية الفاعلة داخل السجون، وهو ما أصاب الجماعة بحالة من السيولة التنظيمية، أصبح من الصعب معها السيطرة على الانشقاقات والانقسامات، الأمر الذي جعلنا نشهد قيادتيْن على رأس الهرم التنظيمي لجماعة «الإخوان»، لأول مرة في تاريخها، بعد اشتعال الصراع بين «إبراهيم منير»، و«محمود حسين»، واتهام كل طرف للآخر بالفساد المالي والإداري. وأكد الكتاب أن الانشقاقات لم تقتصر على جماعة «الإخوان» الأم في مصر، بل تعدتها إلى عدد من فروعها البارزة في المنطقة العربية، وهو ما يعود الى الارتباط القوي بين الجماعة الأم وفروعها في المنطقة. وذكر أن الارتباط العضوي الواضح بين جماعة الإخوان الأم في مصر، وبين التنظيم الدولي لـ«الإخوان»، تسبّب في أن يتعرّض الأخير لاهتزازات قوية، تزايدت حدتها مع حالة الانقسام التي ضربت الجماعة الأم في الفترة الماضية، وذلك بالنظر إلى أن القيادات المصرية كانت حريصة على الإمساك بكل المفاصل الحيوية للتنظيم الدولي، من دون منافسة من عناصر «الإخوان» من الجنسيات الأخرى، وهو ما جعل الأزمات الطاحنة التي تواجهها الجماعة، منذ ثورة 30 يونيو 2013 وحتى الآن، تنعكس بشكل كبير على التنظيم الدولي، وتزيد حالة الضعف التي بدأت أولى حلقاتها مع مطلع تسعينيات القرن الماضي.
مشاركة :