حواء حسان عزت أو إيفا عزت كما تحب أن تعرف فنياً هي سليلة تراكم ثقافي طويل، فهي إبنة الأديبين الكاتبة والإعلامية فاتن حمودي والشاعر السوري المعروف حسان عزت الذي له من الرصيد الشعري والمعرفي في المشهد الثقافي السوري الكثير، فهو إلى جانب صقر عليشي، وابراهيم اليوسف، وحكم البابا، وابراهيم عباس ياسين، وأحمد تيناوي، وطه خليل، ومعشوق حمزة، وابراهيم جرادي، وخليل صويلح وبندر عبدالحميد..... إلخ القائمة ..تطول فهو إلى جانب هؤلاء شكل ترسانة شعرية أعطى الشعر السوري دفعاً ودفقاً له حضوره الجميل،. في هذه المعمعة الشعرية الجميلة ولدت إيفا وعاشت طفولتها، فكان لا بد أن يكون لذلك الأثر الأجمل في كشف موهبتها والنزول إلى الساحة الفنية، فقدمت معرضها الأول وهي ما زالت طفلة تنام في حضن أبويها، بحضور أسماء لها وزنها في الحراك الثقافي والفني، منهم الراحل الذي لن ينسى فاتح المدرس الذي تفاءل بها خيراً، وهي لم تخب ظن فاتح بها فحصدت جوائز عالمية وهي طفلة، واليوم وبعد أن أصبحت إيفا صبية كبرت معها حبها للفن فهي تحضر الآن لإقامة معرضها الحلم في مكان مناسب وفي مدينة مناسبة . ولكل ذلك لن نستغرب أن نجد التركيب الفني عند إيفا في حالة صعود دون أي إختلال في المفهوم الإجرائي الذي تستعين به في صياغة عملها، ودون أن تترك طفولتها فهي مازالت تعيشها وتعكس ذلك في علاقتها مع مكونات عملها، فهي هنا إستثناء أو حتى إختلالاً في المشهد التشكيلي النسوي (مع رفضنا لهذا المصطلح). وبتعبير آخر هي تعبر عن صيرورة التحولات الكثيرة التي تعصف بكل شيء، ومن هذا المنظور فهي ترمي بريشتها أفقياً لخلق مبادرات لونية قد تعيد قراءة الواقع قزحياً، وهذا هو المرغوب تماماً، ومن باب عدم خلق أي إشكالية ذوقية تنتج إيفا وبتنوع مرموق عملاً فنياً به ترمي كل أسئلتها مهما كانت غارقة في الصعوبة والتعقيد، فهي تأخذ كل شيء من حولها بعين الإعتبار، وهذا ما يجعلها تبتعد عن التغريب، بل تغرق في التقريب ومن أوسع أبوابه، لأن الإنسان بتعبه وبأمله، ليس قطعة خشب مرمية أمام فرن، ولا قشة في مهب الريح، هوكيان من روح وأحاسيس، وهذا ما يتوافر في عملها المعنون بالسقوط دون أي تقاطع مع أحداث مغايرة بل تبقى الذاكرة حكاية من حكايا البلاد،و لهذا تبذل إيفا جهداً دون أي ترهل فتذهب وبحصانة يفترض بها مع إرتباطها بهوامش المكان إلى إستخدام تقاطعات لونية للوصول إلى حقائق هي مبعثرة في أكثر من مسار، فتبدأ بلملمتها لوناً لوناً، حتى تأخذ كل أبعادها فتغرق في إحداها ألا وهو السقوط عالياً، وهذا ما يجعل مفهوم البلاد عندها لا يتوقف على أحجار ونوافذ وأبواب بل تكتمل بالإنسان. فليس عبثاً أن تفرش إيفا غضبها في هذا العمل، فهي تثور وتغضب لما يحدث حولها، فهم لا يكتفون بمصادرة الماء والريح واللون فقط بل الرأس أيضاً، وهذا ما إستوجب من فنانتنا إيفا اللجوء إلى المعادل البصري لخلق فضاء فني جمالي فيه من الحركة كل خطوط الباحثة عن تعالقات عنصري الزمان والمكان دون إغلاق الأفق الفاعل في ذهنية المتلقي بقوة الرياح. ففي هذا العمل تلفت إيفا وبإنفعال إيجابي كل ما يقارب تقنيات التعبير بخلق مساحات للتجريب كأساس تكويني عليه تقوم إيفا في إنشاء بنائها الفني مما يعطي هذا البناء دلالات غير مستوردة بل مستوحاة من سيرة مدينة، أو لنقل سيرة بلاد، ومن البداهة في الثقافة الفنية أن التجريب مرتبط بتلك التراكمات التي تتيح للفنان خلق فسحة زمنية معينة. وهذا ما فعلته إيفا مع خلقها فرصة لصيرورة جديدة ألا وهي النقلة العالية في مجال خلق اللون الخاص بها كحالة "بحث عن لون مفقود" وهذا ما يخلق لديها ترابطاً مع كل بنية قد تهطل عليها، لتتحول بدورها إلى حالة تدعو إلى الكثير والكثير جداً من التأمل. وتلك التقاطعات التي قد نجدها عند إيفا في مفهومها للتجريب قد تفسر على نحو آخر مغاير، وبقياس يتطابق بالضرورة مع عرف المتلقي، الذي سيقول حينها بأن عملها هذا ليس أكثر من تجربة ذاتية لا علاقة لها بالتجريب كمفهوم فني، حينها لا بد أن نبحث عن التأصيل في مجمل مفاصل هذا العمل، وبعناية تفسيرية مع الوقوف عند إشارات تشكل مفهوم التجريب عند إيفا، ومن أولى هذه الإشارات قراءة النوافذ المغلقة غير المشرعة على صيغة هي بحد ذاتها بحث تجريبي من خلال الظروف الفاعلة، وكذلك السجال الدائر ما بين الرجل الذي يصرخ وهو يسقط: نعم كانت السماء زرقاء وبين الأنثى التي تؤكد بأن المدينة لم تكن زرقاء، فإيفا هنا تتأرجح رويداً وبخفة عصفور خرج تواً من القفص بين التأصيل وبين التجريب، والسؤال الذي يطرح نفسه. هل بحثت إيفا في منظور التشكيل؟ أم أنها تعتبر الحقل الذي تحرث فيه حقلاً متنوعاً لا إعاقة فيه، حقلاً لوعيها الفني الجمالي وهذا ما تؤكده في رسم معادلها الإبداعي الحامل للشرط الذاتي المقترن بحالتي الإنعكاس والتحديد بين تدرجات الأزرق الغارق في التداخل بحركية التغيير وبين العوامل التكوينية التي تفرض ملامحها الخاصة التي تحاكي الوجع ضمن إستمراريتها بثنائية الصعود والسقوط. فإيفا تتوغل في إنتاج عمل فني ينتسب إلى الكشف عن مفاهيم تعبيرية قد تصاغ بريشتها وفق معيار تراتبي وبإنحياز تام إلى الإقتران بمرجعية طفولتها التي مازالت تعيشها في سياق عملها الفني وبين الإسهام اللافت في نقل تجلياتها التي لم تلوث بعد بإشكاليات التبعية، فهي تريد ومنذ البدء وإنطلاقاً من دوافعها الأساسية طرح مفهوم مغاير للسائد وبالتالي للوجع المطروح، وذلك بتعزيز مفهوم تجاوز الإشكاليات التي قد تعترضها، وحتى لا تقف أمام معضلة البحث عن إعتاق مفردات العمل تترك كل ذلك مع مساحة كبيرة للمتلقي.
مشاركة :