لفت البيان الأخير لمجلس الأمن الدولي حول ليبيا أنظار المتابعين حيث أنه للمرة الأولى يدعو إلى تشكيل حكومة جديدة دون أن يربط ذلك بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، ويرى مراقبون أن البيان يحمل أكثر من دلالة لاسيما في علاقة بالموقف من حكومة عبدالحميد الدبيبة. طرابلس - سارع فتحي باشاغا رئيس الحكومة المكلفة من قبل مجلس النواب الليبي إلى الترحيب بدعوة مجلس الأمن الدولي إلى إطلاق حوار وطني شامل تشارك فيه كل فئات المجتمع الليبي، ويهدف إلى تشكيل حكومة قادرة على العمل في كل البلاد وتمثل جميع الليبيين. في المقابل يلتزم عبدالحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها الصمت حيال دعوة مجلس الأمن، على خلاف العادة، حيث كان الدبيبة حريصا على إبداء تجاوب مع مواقف المجتمع الدولي في سياق مساعيه للظهور في ثوب الطرف المتعاون لإنهاء الانسداد السياسي، وأنه منفتح على جميع الخيارات للتسوية. وثمّن باشاغا، في تغريدة عبر حسابه على تويتر “التزام مجلس الأمن المستمر بدعم وحدة واستقلال ليبيا، وكذلك الالتزام القوي بشأن تنظيم انتخابات تحظى بالنزاهة والاستقلالية رئاسية وبرلمانية”. ويرى مراقبون أن موقف باشاغا لجهة مباركته تشكيل حكومة جديدة ليس بغريب، في ظل قناعته بصعوبة فرض حكومته كأمر واقع، لعدم امتلاكها آليات الاستمرار، في غياب توافق سياسي بشأنها في الداخل والخارج، فضلا عن عدم امتلاكها للموارد المالية التي تعزز موقفها. ويقول المراقبون إن إبداء باشاغا ترحيبا ببيان مجلس الأمن قد يكون في علاقة بتطلعه لضمان موقع متقدم في الحكومة المقبلة. في المقابل يشيرون إلى أن صمت الدبيبة يحمل بين طياته الكثير، حيث أنه سيكون أكثر المتضررين من تشكيل حكومة جديدة في ليبيا تحظى بدعم دولي، وهو الذي سعى على مدار الفترة الماضية لكسب دعم الجهات الخارجية المؤثرة على الساحة الليبية على غرار الولايات المتحدة وتركيا، لضرب هذا المسار وتكريس استمرارية حكومته الحالية. حكومة باشاغا لا تمتلك آليات الاستمرار، في غياب توافق سياسي حولها وعدم امتلاكها للموارد المالية التي تعزز موقفها ويوضح المراقبون أن بيان مجلس الأمن الدولي يعكس في جانب منه فشل جهود رئيس الوزراء المنتهية ولايته لضمان الاستمرارية، وأن هناك نقاشات جدية تجري خلف الكواليس حول فرص تشكيل حكومة تنهي الوضع الحالي في ظل قناعة بصعوبة الاستمرار في دعم حكومة الدبيبة الحالية على وقع تزايد الرفض الداخلي لها. وأعلن مجلس الأمن الدولي في بيان صدر الثلاثاء التزام أعضائه بدعم الحوار الليبي الشامل، الذي يهدف إلى “تشكيل حكومة ليبية موحدة”، قادرة على الحكم في جميع أنحاء البلاد. ودعا المجلس، في بيان منشور على موقعه الإلكتروني، جميع الجهات الفاعلة إلى الحفاظ على الهدوء السائد على الأرض، والالتقاء تحت رعاية الأمم المتحدة للاتفاق بسرعة على مسار للمضي قدما لوضع اللمسات الأخيرة على التسوية السياسية، بما في ذلك الأساس الدستوري، من أجل إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وطنية حرة ونزيهة وشفافة وشاملة في أقرب وقت ممكن في جميع أنحاء البلاد. وهذه المرة الأولى التي لا يربط فيها مجلس الأمن تشكيل حكومة جديدة بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في ليبيا، فيما يعكس وجود نوايا جدية نحو السير في خيار تشكيل حكومة ثالثة، على أمل إنهاء الانسداد الحالي. وأعرب أعضاء المجلس عن “دعمهم للممثل الخاص للأمين العام في ليبيا عبدالله باتيلي ولجهوده لإحداث زخم متجدد في العملية السياسية المتعثرة في ليبيا”. وناشدوا الأطراف الليبية والرئيسية الأخرى بـ”الدخول في حوار مع باتيلي وفي ما بينهم والمحافظة على الهدوء على الأرض والتكاتف للإسراع في الاتفاق على سبيلٍ للمضي والتوصل إلى تسوية سياسية بما في ذلك الإطار الدستوري لإجراء انتخابات في القريب”. الدبيبة يلتزم الصمت الدبيبة يلتزم الصمت وأكد أعضاء مجلس الأمن التزامهم بـ”دعم الحوار الليبي – الليبي بهدف تشكيل حكومة ليبية موحدة تحكم جميع أنحاء البلاد وتمثيل الشعب بأكمله”. ومشيرا إلى أن “التقدم في العملية السياسية ينبغي أن يقترن بالمشاركة في المسارين الاقتصادي والأمني”، أكد بيان أعضاء مجلس الأمن أهمية “وضع آلية يقودها الليبيون لتحديد أولويات الإنفاق وضمان إدارة عائدات النفط بطريقة منصفة“. ودعا البيان إلى “التمسك باتفاق وقف إطلاق النار الموقع في الثالث والعشرين من أكتوبر 2020 والإسراع بالتنفيذ الكامل لبنوده“. وذكر “بالقرار 1970 لسنة 2011 والمعدل بقرارات لاحقة الذي يعاقب بموجبه الكيانات والأفراد الذين يشاركون في الأعمال التي تهدد السلم أو الاستقرار في ليبيا أو عرقلة أو تقويض استكمال عملية الانتقال السياسي بما في ذلك عرقلة الانتخابات”. وبسبب خلافات بين مؤسسات الدولة، لاسيما بشأن قانوني الانتخاب، تعثر في الرابع والعشرين من ديسمبر 2021 إجراء انتخابات كانت مقررة خلال ملتقى الحوار السياسي بين أطراف النزاع المنعقد أول مرة في نوفمبر 2020 في تونس برعاية أممية قبل أن يستكمل في جنيف. ومطلع العام الجاري دخلت ليبيا في صراع جديد بعد أن كلف مجلس النواب حكومة برئاسة باشاغا تتصارع مع حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة الذي يرفض التسليم إلا لحكومة تأتي عبر برلمان جديد منتخب. تلك الانتخابات لم تصل إليها البلاد أيضا هذا العام بسبب تعثر توافق لجنة مشتركة شكلت عبر مبادرة أممية من مجلسي النواب والدولة على القاعدة الدستورية تؤدي إليها.
مشاركة :