الحياكة والتطريز .. صناعة تبهر الزوار وتعرّف بالمنتج المحلي

  • 1/21/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

الحفاظ على التراث والموروث الثقافي والمادي يحتاج إلى خطوات أكثر ديناميكية بالاستفادة من التقنية المعاصرة والإمكانات المتوفرة في تطوير المنتج، لنضمن للمفردة التراثية البقاء، بتقديمها للعالم في طراز جديد. وأدرك معهد الشارقة للتراث هذا الدور، فبدأ يحصي ويجمع الأسر المنتجة والمهتمين بالتراث، ويتيح لهم عرض منتوجاتهم، من خلال ملتقى الحرف التراثية الذي اختتم فعاليات دورته العاشرة أمس الأول، لتكون خطوة مهمة في خطوات قادمة، من أجل التعريف أكثر بالمنتج المحلي التراثي. أصحاب الحرف اليدوية التقليدية في كثير من دول العالم، باتوا أصحاب النهضة الصناعية، فهو تطور طبيعي، حيث حرصوا على إقامة مصانع لإنتاج ما يميزهم، من الحرف التقليدية والتراثية الخاصة بشعوبهم، أو تلك التي أتوا بها من الخارج. نحن نزخر بالكثير من الكنوز البشرية، التي يجب استغلالها، إلا أننا نكتفي بعرض المنتج اليدوي التقليدي في المتاحف والمعارض، لتمر السنون والعقود وتتبدل الأجيال، ليأتي جيل لا يعرف شيئا عن الكثير من المنتج التراثي، لنقدمه للعالم بصورة آنية، لكن إذا استطعنا استغلال هذه الكنوز البشرية في إدارة مصانع يشرفون عليها وينقلون خبراتهم لجيل بعد جيل في ورش عمل ومعاهد خاصة، فتظل الحرفة قائمة وينمو اقتصادنا وتستمر مفردات التراث التقليدي منيرة في أذهان أبنائنا إلى الأبد. الحفاظ على التراث والموروث الثقافي والمادي يحتاج إلى خطوات أكثر ديناميكية بالاستفادة من التقنية المعاصرة والإمكانات المتوفرة في تطوير المنتج، فلا يقتصر على أسرة صغيرة، فحين يجتمع هؤلاء تحت مظلة نواة مصنع صغير، ينمو سريعاً بفضل جهودهم وخبراتهم، ومن ثم نضمن للمفردة التراثية التقليدية أن تصارع للبقاء، وتغور بجذورها في أعماق عقود وقرون حين نقدمها للعالم بطراز جديد، وتصبح سلاحاً ذا حدين اقتصادي وثقافي، ولاسيما أنها القوة الناعمة التي يجب استغلالها. أدرك معهد الشارقة للتراث هذا الدور، فبدأ يحصي ويجمع المهتمين بالتراث والأسر المنتجة، ويتيح لهم عرض منتوجاتهم، وتعريف الجمهور بهم، لتكون خطوة مهمة في خطوات قادمة، ويعد ملتقى الحرف التراثية في دورته العاشرة هذا العام، الذي اتخذ شعار الحياكة والتطريز في الإمارات 2016، أحد هذه الأنشطة التي في هذا المجال. من أهم الفعاليات التي أقبل الزوار للتعرف اليها صناعة الفروخة، التي تقوم عليها أم مريم، فقالت: صناعة الفروخة من أهم الصناعات المتعلقة بالتطريز والحياكة، فهي جزء من الكندورة التي يتحلى بها الرجل في الماضي، حيث توضع بشكل مستقيم وطولي على واجهتها، ويستخدم أيضا على واجهات دشاديش الأطفال، والقحفية الملونة، أو الكلوني ويزينون بها. وأضافت أم مريم: أما المكحلة فكان الرجال يهتمون بها، لأنها تهب الهيئة الطيبة والاحترام، وكانت تقوم النساء بصناعتها من خيوط القطن، باستخدام اليد والمقص والإبرة، وهي جدلة من الخيوط الهدوب، تزين بها ملابس الرجال، إذ تتدلى من أسفل رقبة الكندورة حتى الصدر لتضفي على اللباس لمسة فلوكلورية، يتم تصنيعها حسب الطلب، ووفقا لذوق مستخدميها من طولها ولونها، ويبدأ صانعها بلف الخيوط لفات عدة بين الإبهام وقدمه وراحة يده، حتى تصل إلى سماكة معينة، ثم يعقد طرفها حلقة صغيرة تكون أساس الفروخة. وأضافت: يقطع الطرف الآخر ليحرر أطراف الخيوط التي تقسم إلى أربعة أجزاء متساوية، تجدل مع بعضها لمسافة معينة وتمشط الخيوط في المسافة المتبقية وتساوى أطرافها. وتقول أم سلطان (إحدى المشاركات): جوارب مصنوعة من الصوف يلبسها الرجال في أقدامهم، اتقاء من البرد أو تحفظاً من لدغ الحشرات السامة، وترتديها المرأة الحادة في وفاة زوجها، وهي من ملابس الرجل للبدو، وتشبه الجوارب الحالية، إلا أنها من الصوف، ويقوم البدو بصناعتها بأنفسهم من الصوف الماعز أو الجمال ويلبسونها حذاء. ويعتبر التلي نواة حرف المرأة البدوية القديمة، حيث تصنع النساء من الدحروري الأبيض والخوص الفضي، لباساً لهن، ويزين ملابسهن التي كانت تنقش بالخور الذي يغطي المرأة جمالا وكن يستخدمن الكندورة والمخدة في صناعة التلي، وتعد صناعة التلي واحدة من أعرق صناعات التطريز في الإمارات، كونها جزءاً مهماً من التراث الشعبي والموروث الحقيقي للمجتمع، ويعد فناً من المقام الأول ومهنة متوارثة عبر الأجيال لتطريز التلي، ومنها التلي ذو الفص، وتلي التعاون، وعادة ما يكون بطريقة عمل التلي التقليدي نفسها على أن يكون في تشكيله كل مترين من التلي بلون واحد من ألوان الخوص، مع توحيد اللون على الجانبين لكل الأمتار، ومن أهم الأشكال المطلوبة التي تلقى رواجاً في المنطقة، تلي الشطرنج، وتلي بوجنب. خلود الهاجري رئيسة مركز الحرف الإماراتية، التي قدمت مجموعة مختارة من الأزياء التقليدية بعرض أزياء متميز، احتوى على الكثير من فنون الإبداع اليدوي، وقدمه مجموعة من الفتيات، تقول: لقد أشرفت على ما قدم من أزياء في الملتقى وحاولنا إبراز الشخصية النسائية الإماراتية في زيها التقليدي، ويرمز إلى التراث الشعبي الإماراتي، كما ركزنا في التصميم على معايير الجودة والاعتماد على كل ما هو تقليدي وشعبي. فنحن في مركز الحرف نحاول أن نفعل التراث، من خلال المشاركة في الملتقيات والفعاليات، وتقديم أنواع الأزياء التراثية، ومن هذا المنطلق كان دورنا اليوم تعريف الزوار بأنواع عدة من الزي النسائي التقليدي في المناسبات المختلفة، وتعريفهم بماهية حرفة تصميم الزي النسائي التقليدي، وكيف أسهم أجدادنا في صناعة الزي التراثي ومهاراتهم في هذا الشأن. وأبهر الزي التقليدي الرجالي، سواء كان البشت أو الدشداشة، زوار الملتقى التراثي، وخاصة أن المواد المعروضة كلها بأيد إماراتية خالصة، وقال الحاج نعمة، أحد الذين ما زالوا قائمين على هذه الصناعة: إن صناعة البشت قائمة في الإمارات منذ زمن بعيد، وظلت تتطور على أيدي أجدادنا لعقود طويلة من الزمن، إلى أن وصلت إلى شكلها الحالي. وأضاف نعمة أن ثياب البشت يتسم بأنه لباس محتشم، يفخر الإماراتي بل والخليجي بارتدائه إلى الآن، وأن النقشات الموجودة به كلها يدوية، والقليل يعتمد على مكائن، ولكن مازال الكثيرون يفضلون البشت اليدوي على غيره. كما يضيف حميد عيسى (أحد الصناع المهرة المشاركين في المعرض)، أن الكندورة هي اللباس الأساسي في دول الخليج عامة، وتختلف الألوان حسب فصول السنة، وتختلف الآن عن الماضي في أنها كانت تصبغ بالزعفران والألوان الطبيعية وورق الشجر، ولكن الآن اختلف الأمر، وأصبح الكثير من الصناع لغير الخليجيين، فأنا أحافظ على صناعة أجدادي بمواكبة الحاضر. الدكتور سعيد الحداد أحد المهتمين بالتراث، يقول: إن معرض الحرف التراثية، يعد مظهراً من مظاهر الاهتمام بالتراث الإماراتي، فهذا الجانب مهم من ثقافة الإماراتي. ويرى أن التركيز في هذا المعرض على الخياطة والتطريز، راجع إلى أهمية هذه الصناعة التقليدية، وأن المعرض المختص بهذا الجانب، يعطي فرصة للزوار بتقييم المنتج اليدوي الإماراتي بطريقة صحيحة، بجانب إبراز ما يقدم من مهارات يدوية، ولاسيما أن المنتج المعروض كثير، وبرغم التركيز على جانب الحياكة والخياطة، إلا أن هناك أنواعاً أخرى من هذه الصناعات اليدوية المهمة غير موجود، ما يدل على الغنى الذي يتميز به التراث الإماراتي في الصناعات اليدوية. عبد العزيز المسلم: نقدممنتجاً أكثرتنوعاً وشمولية ويرتبط بالجو العام للدولة عبد العزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث قال: نحن في ملتقى الحرف التراثية بعد عقده الأول، نحاول أن نكون أكثر نوعية في المنتج الذي يقدم، وما يمكن ملاحظته أن الملتقى يرتبط بالجو العام، فكان في العامين السابقين أكثر شمولية، وركز على الجانب الإسلامي والفنون الإسلامية، لاحتفاء الشارقة بكونها عاصمة للثقافة، وفي دورته العاشرة كان التركيز أكثر على التراث الإماراتي، ولاسيما أنه عرضة للاندثار مع التطور الحالي الذي تشهده الدولة حالياً. أما فيما يخص اقتصاره على الحياكة والتطريز، فقال المسلم: إن الإنسان أُمر بأن يستر عورته مع بدء الخليقة، والاهتمام بالأناقة وحسن المظهر من صفات الإماراتي، ودافعه جعله مهتما بهذا النوع من الصناعات. وعن التخوفات التي يجدها البعض، من أن صناعة الخياطة والحياكة آلت إلى الكثير من الأجانب؛ يرى المسلم أن هذا يعد كارثة كبيرة، ومن هنا أردنا من خلال المعرض المصاحب للملتقى، إبراز جماليات الزي الإماراتي ومفردات جمالياته. وأضاف المسلم أن المعهد سيكون أكثر حرفية في تقديم المنتج الإماراتي، من خلال تغيير جذري للفعاليات المقدمة، لتكون أكثر احترافية ودقة. أما التركيز على طلاب المدارس والمعاهد العلمية الذين زخر بهم المعرض، فقال المسلم: إننا قمنا بإنشاء قسم خاص بعنوان ثقافة الطفل، ومن خلاله يمكننا التواصل مع المدارس، وعقدنا أكثر من جلسة مع مجلس الشارقة للتعليم، لاستقطاب المهتمين بالتراث وتوجيههم، ولاسيما أن اللغة البصرية أكثر وقعاً في التوجيه المباشر، ووجودهم بالمعرض يترك في ذاكرتهم أثراً كبيراً حول الاهتمام المستقبلي بالتراث. عبد الجليل سعد: الأعمال اليدويةأساس كثير من الصناعات التراثية عبد الجليل سعد، أحد المهتمين بالتراث قال: إن التركيز على الصناعة اليدوية راجع إلى كونها الأساس الذي تقوم عليه كثير من الصناعات، فهي تجعل هناك حراكاً بالمجالات الاقتصادية الأخرى، منها البناء والعمران، فهناك مجموعة حرف تخدم بعضها بعضا، يقوم عليها اقتصاد أي دولة، ومن هنا كان لزاماً الاهتمام بها كأحد عوامل التنمية الاقتصادية. أما عن إنشاء مصنع يجمع الحرفيين الحاليين، فأضاف إن الدولة هي المعنية بهذا، أما المهتمون بالتراث، فدورهم ينصب على التعريف بالتراث ومفرداته، وإيضاح معالمه للجمهور، واكتشاف الموهوبين في المهن التراثية، وحصرهم وتقديمهم، أما إنشاء معاهد لتدريبهم ومصانع لاستغلال مواهبهم، وإنتاج مواد من الموروث التراثي بصور عصرية والتسوق لها، كما تفعل الكثير من الدول المتقدمة، فليس دورنا. ويرى أن إقامة معاهد علمية وتراثية، يجب أن تدرب المهتمين بالتراث ويتم تعريفهم بالمبادئ الأولية، ولاسيما أن الكثير من أبناء الجيل الحالي لا يعرفون شيئا عن الكثير من مفردات الشعبية والمفاهيم التراثية، ومنها مثلا مفردتا التلي والزربول وغيرهما، فلا بد من ترسيخها في أذهان الناس، ثم تهيئتهم بالمزيد، ليكونوا أكثر قابلية واستعدادا، ولكن تجربة الإمارات الرائدة في مجال التعريف بالتراث سبقت الكثير من التجارب العربية والعالمية.

مشاركة :