في عالم الأعمال وفي سوق الأسهم كثيرًا ما تنتشر نظرية المؤامرة وتزدهر بين المتعاملين، خاصة في ظل التفاوت بين أحجامهم وقدراتهم بما يجعل لكبار المتعاملين في السوق ميزة نسبية، وفي ظل احتمالات التواصل بينهم للتنسيق، أو اعتماد بعض الأطراف لأساليب غير قانونية للتأثير في أسعار الأسهم واتجاهاتها، يصبح لنظرية المؤامرة أساس مفهوم (سواء صحت أو لم تصح). الأزمة المالية العالمية "مؤامرة" وعلى سبيل المثال، يعتبر 25% من الأمريكيين أن الأزمة المالية العالمية (2008) هي بمثابة خطة سرية أو مؤامرة تمت صياغتها بين عدد من الأقطاب المالية والبنوك والقوى الاقتصادية الأمريكية بغية تحقيق مكاسب في سوق الأسهم وفرض المزيد من السيطرة على الاقتصاد العالمي وإجبار الحكومة الأمريكية على التدخل لحماية كيانات اقتصادية كان الكثير منها يعاني وكان بعضها سيفلس دون مساندة واشنطن في هذا التوقيت. واللافت أن هذه النسبة ترتفع من 25% بين جموع الأمريكيين إلى 55% بين المتعاملين في السوق الأمريكي تحديدا (وترتفع بين صغار المتعاملين إلى أكثر من 70%)، والذين يرى بعضهم أن جزءا من تحركات البيع والشراء تشير باستمرار إلى معرفة البعض الحصرية وغير القانونية ببعض المعلومات مثلما حدث مع البعض –وفقا لهم- عام 2008. وباستقراء نتائج الأزمة المالية العالمية بتضرر المتعاملين الصغار على حساب الكيانات الكبيرة حيث يشير المحلل المالي "إيرين بلاكوود" في دراسة موسعة إلى أن أكثر من 98% من متضرري الأزمة كانوا من صغار المتعاملين بما فتح الباب على مصرعيه لنظرية المؤامرة التي يسوقها المتضررون وحتى من يتعاطفون معهم. ويشير "بلاكوود" إلى أن سوق الأسهم يعمل لصالح "من لديه خطة" بشكل عام، ولأن 90% على الأقل ممن يدخلون السوق يخسرون أموالًا فإنهم يميلون إلى نظرية المؤامرة باتهام "آخرين" بالتعاون السري على حسابهم لتفسير خسارة أموالهم بدلًا من إلقاء اللوم على أنفسهم لعدم دراسة السوق جيدا. المؤامرة لـ"تقليل الفوضى" وعلى سبيل المثال كثيرًا ما يتم اتهام عملاق إدارة الأصول "بلاك روك" بالمساهمة في إحداث الأزمات المالية العالمية، بدءا من فقاعة "دوت كوم" مرورًا بالأزمة المالية العالمية انتهاء بأزمة الأسواق الأمريكية بفعل وباء كورونا، حيث تجنبت "بلاك روك" خسائر بـ1.7 تريليون دولار في فقاعة "دوت كوم"، ووجهت برامج الإنقاذ الحكومية في الأزمة المالية العالمية. وبعد كل أزمة تظهر "بلاك روك" منتصرة بشرائها للأسهم والأصول التي تنخفض أسعارها في الأزمات، بينما تبقى المجموعة العملاقة "خارج نطاق الأذى" بما يجعلها عرضة لأسهم نظرية المؤامرة بتسببها "خفية" عن طريق إدارة أصولها الضخمة (10 تريليونات دولار بشكل مباشر و22 مليار دولار بشكل غير مباشر) في إحداث أزمة للاستفادة اللاحقة منها (بالتعاون مع أطراف أخرى). وبشكل عام، غالبا ما يشير متخصصو علم النفس إلى أن الناس يميلون إلى استخدام "نظرية المؤامرة" كي يقللوا من إحساسهم بـ"الفوضى" من حولهم أي لتكون الأمور والصورة العامة أكثر بساطة فيسهل عليهم استيعابها، بأن يقول الشخص لنفسه "لقد خسرت أموالي في السوق لأن آخرين تآمروا في الخفاء للتلاعب بالأسعار". مؤامرات ولكن "حقيقية" ولكن في بعض الأحيان تكون نظرية المؤامرة حقيقية وليست نظرية خيالية للتبرير فحسب، وعلى سبيل المثال فإن إصدار أوامر الشراء الوهمية والنكوص عنها بعد ذلك إحدى أهم وأبرز وسائل التلاعب في سوق الأسهم وهي هنا تلاعب حقيقي في السوق (مؤامرة واقعية وليست نظرية مفترضة فحسب). وعلى سبيل المثال أوقفت الصين قبل عامين أكثر من 20 شخصًا بسبب إصدارهم أوامر شراء لأسهم بشكل متناغم وبأسعار قد تفوق السعر السوقي وبكميات كبيرة بما يؤدي بطبيعة الحال لخلق طلب وهمي على الأسهم ويدفع متداولين آخرين لتتبع هذا السهم الصاعد ليبيع المستثمرون الـ20 حيازاتهم من الأسهم، ويحققوا أرباحا كبيرة تجاوزت 200 مليون دولار وفقا لتقديرات السلطات الصينية. ولعل المثال الأبرز على التنسيق، وجاء هذه المرة علنيًا، وكان في تنسيق الكثير من المستثمرين على شراء سهم "جيم ستوب" من خلال التنسيق عبر موقع "ريديت"، بما أدى لارتفاع سعره بنسبة 1700% خلال شهر يناير 2021، قبل أن يتراجع بشدة، أو بالأحرى ينهار سعره، بعد ذلك ليحصد الكثير ممن أقبلوا على شرائه خسائر كبيرة. وعلى الرغم من أن ظاهرة "جيم ستوب" شغلت الأسواق الأمريكية طيلة عام 2021 تقريبًا، إلا أن التحقيقات حولها لم تنته لشيء ولم يتم توجيه الاتهامات لأي طرف بسبب العجز عن إثبات التلاعب وأطرافه بسبب تنوعهم وتشتتهم وطرح المستخدمين للأمر بوصفه "نصائح" بالشراء أو بالبيع. "اشتر الشائعة".. إقرار بتوجيه السوق فالشاهد هنا أنه نادرًا ما يتم اكتشاف هذا النوع من التلاعب، بسبب تورط كافة أطرافه في صفقات غير قانونية ذات طابع سري، بما يجعل كل أطراف التلاعب حريصة على عدم الكشف عن أية معلومات عنه، ويكون الكشف عنه بواسطة هيئات رقابة الأسواق والتي يصعب عليها رصد هذا التلاعب في ظل حجم عمليات التداول الضخم جدا الذي يجري يوميًا (هناك أمل في مساهمة الذكاء الاصطناعي في كشف مثل الممارسات في المستقبل القريب في ظل قدرته الاستثنائية على رصد التماثلات في المعاملات). ويقول "جيم كرامر" المحلل في "سي.إن.بي.سي" إن إحدى أشهر قواعد السوق "اشتر الشائعة وبع الخبر" هي بمثابة إقرار بوجود قدر من التآمر في سوق الأسهم، مضيفًا أن هذه القاعدة تعني الشراء عندما تظهر شائعة بأن شركة ما ستتوسع على سبيل المثال والبيع عندما يتضح كذب هذه الشائعة بخبر مؤكد أو حتى يتضح صدقها. ويشير "كرامر" إلى أن هناك "أطرافا ما" تقف وراء الشائعات التي تصدر في السوق، والتي يصل بعضها من بعض وسائل الإعلام الموثوقة وليست مجرد شائعات شفوية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وجُل ما يمكن فعله من قبل غالبية المتعاملين هو السير في الطريق الذي رسمه هؤلاء الذين يروجون تلك الشائعات لكي يستطيعوا تحقيق الأرباح. والشاهد أن بعض الأطراف قد تتآلف كي توجه السوق بشكل معين، ولكن هذا يبقى من بين المخاطر التي على المتعامل التحسب لها، حتى لا يقع ضحية "المؤامرة" مفترضة كانت أو حقيقية.
مشاركة :