مفكرون إشكاليون في الفكر العربي والإسلامي

  • 1/23/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ثمة شخصيات في الفكر العربي والفلسفة الإسلامية اثارت جدلاً كبيراً وطرحت افكاراً ما انفكت تتفاعل وتتسع دوائرها حتى يومنا هذا، بل لعلها في بعض تفاصيلها تؤثر في قراءتنا للماضي وتساهم في فهمنا للحاضر والمستقبل. على هذه الخلفية يتناول معين الطاهر في «شخصيات جدلية في الفكر العربي والفلسفة الإسلامية» (منشورات ضفاف 2015) البسطامي والسهروردي والطهطاوي وسيد قطب، لأن هذه الشخصيات في رأيه، ما زالت في حاجة الى قراءة منهجية مختلفة ترقب نشوء الأفكار وتطورها عبر دراسة المناخ الاجتماعي والسياسي التي نمت من خلاله. ابو يزيد البسطامي، الفارسي الأصل، الذي ولد وعاش في النصف الاول من القرن الثالث للهجرة، لم يكن مجرد قطب من اقطاب صوفية ذلك القرن، وإنما هو ايضاً مؤسس طريقة، وصاحب مذهب، وقد اصبحت اقواله وآراؤه مثاراً للجدل والاختلاف بين الصوفية والفقهاء، بل بين الصوفية انفسهم، فهناك القائلون بعلو شأوه في مجال الروح، حتى ان الجنيد قارن منزلته بين الصوفية بمنزلة «جبريل بين الملائكة، وثمة قائلون بفكره وخروجه عن الدين، وبين هؤلاء وأولئك يقف نفر لا يملكون الا الإعجاب بأبي زيد الذي عانى الامرين من الفقهاء، ونفي من بسطام سبع مرات. لكنه كان يعتبر هذه المحن عطايا الحق تعالى يتحتم عليه ان يرضى بها، على اساس الميثاق الروحي بين الله وأوليائه. اما السهروردي الذي عاش في القرن السادس الهجري وقتل وهو في السادسة او الثامنة والثلاثين من العمر، بعد مجابهة مع العلماء في حلب، فقد حاول عبر بنائه الفلسفي الإشراقي الجمع بين حكمة زرادشت وحكمة افلاطون، وقد نحا الفكر الاسلامي بعده منحى جديداً كان بمثابة رد فعل قوي ضد تيار الأرسطية الذي ساد في القرنين السابقين. تختلف نظرة السهروردي الى الطبيعيات عن نظرة الفلاسفة المشائين، اذ هي قائمة عنده على النور، لا على الصورة والهيولى الأرسطية، فكل الأجسام درجات متفاوتة بين النور والظلمة، والظلام بالنسبة اليه هو سلب النور. ترك السهروردي لنا تراثاً فلسفياً خصباً يجمع بين التواصل التاريخي للفكر العالمي الإنساني وخصوصية التجربة الإسلامية في شكل يندمج فيه التواصل بالجدة والأصالة، حتى ان بعض المفكرين قد تساءل بحق في ما اذا كانت الفلسفة الإسلامية لم تنته بابن رشد، بل بدأت بالفعل بعد موته، حين بدأت تعاليم السهروردي تنتشر في الأصقاع الشرقية في العالم الإسلامي. اذ عرض المؤلف الى ملامح تأثير الحضارة الغربية في فكر رفاعة الطهطاوي 1801 - 1873 ذهب الى ان معظم الباحثين يتفقون على الدور الذي اداه في توجيه الثقافة المصرية، الا ان مواقفهم تتباين لدى تصنيف هذا الدور، بل لعلنا نجد هذا التباين في قراءة الباحث الواحد لفكر الشيخ الطهطاوي. ومرد هذا التباين الى مواقف الطهطاوي من حضارة الغرب والافكار والمبادئ السياسية والاجتماعية التي وسمت هذه الحضارة المختلفة عن الحضارة العربية الاسلامية، فقد بادر الشيخ رفاعة الى اعلان انبهاره بالغرب وانحيازه للثقافة الفرنسية، ما اضطره الى الدفاع عن موقفه بحجج عقلية توفق بين النص الديني والمبادئ والافكار الحديثة، تحسباً من الاتهام بالتبعية لـ «ديار الكفر». عليه، ذهب الطهطاوي الى ان الحق احق ان يتبع، حتى ولو كان آتياً من الآخر. وكي ينفي غربة الثقافة الغربية ادعى ان هذه الثقافة ليست سوى ثقافتنا التي نستعيدها الآن، فتلك بضاعتنا ردت الينا. وحتى لا يتهم بالخروج على الاسلام، اكد انه لم يستحسن من حضارة الغرب الا ما لم يخالف نص الشريعة الاسلامية. وإذا كان الطهطاوي قد سلم بحق الشعب في اختيار حكامه ومحاسبتهم ، نجد انه في اواخر مؤلفاته يدافع عن الحكم الفردي المطلق في مصر. وثمة قضية اخرى بقيت مثار خلاف للباحثين، هي تلك المتعلقة بأفكاره الاقتصادية وفيما اذا كان اشتراكياً، فرفعت السعيد وأنور عبد الملك ولويس عوض اعتبروه رائد الاشتراكية المصرية، فيما رفض محمد عمارة القول باشتراكيته استناداً الى التراث الاسلامي. وتثير أفكار الطهطاوي اشكالية اخرى، هي اشكالية العلاقة بين الوطن والقومية والدين. اعتبر بعضهم انه أول كاتب حلل فكرة الأمة المصرية بالمفهوم الحديث، وقد ساهمت دراسته للجغرافيا والتاريخ في تحديد هذه الفكرة، إذ في رأيه أن تاريخ مصر قبل الإسلام جدير بالدراسة، وأن مصر وأن اصبحت جزءاً من الأمة الإسلامية، إلا أنها أمة منفصلة تشكل موضوعاً مستقلاً للتفكير التاريخي، وعليه فالإسلام هو الوجه الحديث لمصر الفرعونية القبطية التي لم يحدث ابداً ان وصفها الطهطاوي بأنها عربية. لم يخرج الطهطاوي عن دائرة الإجماع الأوروبي، فلم يثره احتلال فرنسا للجزائر، ولم يعتقد بأن أوروبا خطر سياسي وعسكري، على رغم كل الشواهد في حينه، بل كان يعتقد بأنها تسعى وراء العلم والتقدم، وأن ذلك سيؤدي الى التقاء الشعوب والعيش بسلام ورخاء، لكنه في الوقت نفسه، كان يشعر أنها مصدر خطر خلقي إذ هي تعتقد بأن التحسين والتقبيح من شأن العقل. ويظل سيد قطب الشخصية الأكثر اثارة للجدل، اذ تعددت الاجتهادات في فهمه بين من يرى فيه مثالاً للفكر الرجعي ومدخلاً للتطرف والتكفير، وبين من يستلهم منه مفاهيم ونظريات في الاسلام السياسي المعتدل، لكن كلا الطرفين ينتزعان فكره من سيرورته ويفصلانه عن الواقع الذي عاشه. ولد قطب في اسيوط، ونشأ في بيئة متدينة وحفظ القرآن قبل ان يبلغ العاشرة. تتلمذ على العقاد الذي اغراه بدراسة الفكر الغربي، وعام 1948 اصدر كتابه «العدالة الاجتماعية في الاسلام» وكتب ضد الاستعمار في مجلات اسبوعية بصورة منتظمة، وقد ادت افكاره في هذه المرحلة دوراً ايجابياً في التمهيد لثورة 1952. حكم بالسجن عام 1954 وكتب وهو في سجنه كتباً عدة اهمها «هذا الدين» و «في ظلال القرآن». وكتب بعد خروجه «معالم في الطريق» وهو الكتاب الذي قاده الى السجن عام 1965 ومن ثم الى حبل المشنقة. اثارت افكار قطب جدلاً واسعاً بين الاسلاميين وخصومهم، وبين الاسلاميين انفسهم، فقد ادعى ان العالم كله يعيش في جاهلية تقوم على الاعتداء على سلطان الله على الأرض وحق الحاكمية المطلقة التي هي أخص خصائص الألوهية، رافضاً في ذلك القول إن الأمة هي مصدر السلطات وإن من حق البشر أن يضعوا منهجاً لحياتهم. ورفض قطب الحضارة الغربية وانظمتها، رأسمالية كانت او اشتراكية، فضلاً عن معطياتها الانسانية والمعرفية، اذ لا كرامة في رأيه ولا حرية للانسان في مجتمع، بعضه افراد يشرعون، وبعضه افراد يطيعون. المجتمع الجاهلي عند قطب هو كل مجتمع يعتدي على حاكمية الله، ولذلك لا وجود اليوم للمجتمع الاسلامي فالعالم كله يعيش في جاهلية ويجب اعادة صياغته بأسره. ولعل اول ما نتج من هذه الافكار التي امتلأت بها صفحات كتابه «معالم في الطريق» نشوء حركات التكفير والهجرة التي دعت الى الانعزال عن المجتمع وتكفيره، وصولاً الى القاعدة والنصرة و»داعش» ولا نبالغ اذا قلنا ان قطب وضع المدماك الاول والاساس المتين الذي راكمت عليه هذه الحركات بنيانها. لقي منهج قطب معارضة من داخل الفكر الاسلامي ذاته، فقد رفض يوسف القرضاوي المقارنة بين المجتمع المكي ومجتمعنا الحاضر، ورفض نعت مجتمعنا بالجاهلية، معتبراً ان المشكلات الجديدة في مجتمعاتنا الحديثة ليست وليدة المجتمع الجاهلي بقدر ما هي وليدة التطور الاجتماعي والتقدم التقني.

مشاركة :