«لاتتدخل أبداً عندما يقوم خصمك بممارسات تؤدي به إلى تدمير نفسه». جديرٌ جداً بالمعارضة السورية أن تتذكر المقولة التي تُنسب إلى نابليون بونابرت. فالمؤكد أن السياسة السعودية، ومعها أشقاء السوريين من العرب، يُدركون تماماً دلالاتها في معرض تحليل الوقائع. يوم الخميس الماضي، أعلن دبلوماسي روسي أن بلاده ستدعم وفداً بديلاً من المعارضة السورية للتفاوض مع الحكومة في محادثات السلام في جنيف، في وقتٍ لاحق هذا الشهر، إذا لم يتم تعديل فريق المعارضة الحالي أو إذا قاطع المحادثات. وقال الدبلوماسي «ما نحاول تحقيقه هو إما توسيع وفد الرياض ليضم المعارضة المعتدلة، أو أن يكون هناك وفدٌ معارض منفصل». وأضاف أنه في حال مقاطعة المعارضة للمحادثات «فسوف يأتي الوفد الثاني، سيتفاوضون مع الحكومة». غرور القوة قاتلٌ على الدوام، إن لم يكن عاجلاً فبعد حين.. يصدق هذا على القيادة الروسية، التي تصر بعناد على إظهار صدقية تلك الحقيقة في سياستها المتعلقة بوفد المعارضة السورية للمفاوضات. والذي كانت آخر مشاهده التصريح المذكور. إلى ماقبل التصريح الوارد أعلاه، كان ممكناً الاستمرار في وصف التصريحات والمواقف الروسية بـ (العنجهية). لكن تدهور الفكر السياسي الروسي،وصولاً إلى هذا التصريح (السوريالي)، يربطه بطريقةٍ في التفكير، لايمكن إلا أن تُذكر كثيراً بالطريقة (الداعشية) في التفكير السياسي. وإذا كان بعض المراقبين هنا وهناك لايزالون غافلين عن هذه الحقيقة، فإن لدى السعوديين والإماراتيين والقطريين، وغيرهم ، من الخبرة والمعرفة مايُمكنهم من رؤية هذه الحقيقة، مهما كانت صادمة، ورغم كل إدراكهم للتوازنات والحسابات الدولية في معرض العلاقة بين السياسة والقوة..الأرجح، بالتالي، أن ثمة عملية إعادة حسابات للتعامل مع الموضوع بناءً على هذا المُعطى الجديد. روسيا لم تعد تمارس السياسة بطريقة أنها (فن الممكن)، وهي باتت تحت ضغطٍ نفسي، ناتجٍ عن غرور القوة، بحيث تمارسها على طريقة (فن المستحيل) [المصطلح مُستعار من مقالٍ للزميل وليد أبي مرشد في معرض حديثه عن الواقع اللبناني]. ويبلغ الأمر حد الهزل حين يُنقل عن مبعوث روسي أن المندوب الأممي الخاص ستيفان دي مستورا لم يختر 25 يناير/كانون الثاني موعداً لعقد المؤتمر من قبيل الصدفة، فهذا الموعد يصادف عيد ميلاده. وكان بوده أن يحتفل به يوم بدء المفاوضات وإطلاق عملية التسوية السياسية في سوريا!.. مامن شكٍ أن تعقيدات الوضع الدولي الراهن سمحت لروسيا، لأسباب عديدة، باحتلال موقعٍ متقدم في الساحة السورية.. لكن هذا لم يكن يعني، ولن يعني، قدرة روسيا على السيطرة والتحكم ، وإذا سُمحَ لها بالقيام بدورٍ (تشبيحي) مرحلي في سوريا لأسباب سياسية وأمنية، إقليمية ودولية.. فإن هذا لايعني أن (تُصدق نفسها) وتعتقد أنها باتت الآمر الناهي في كل صغيرةٍ وكبيرة. ربما سمحت تطورات الواقع الدولي بطرح الدور الروسي على أنه مهم، ثم تكبيره بشكلٍ مدروس، وعلى أساس أنه (كِذبةٌ صغيرة) .. لكن الظاهر أن روسيا صدﱠقت الكذبة.. و(لَبِسَت) الدور.. وأنها تتصرفُ في الأسابيع الأخيرة بناءً على ذلك. قد يكون هذا مااضطر الوزير كيري إلى التنبيه للموضوع برسالةٍ غير مباشرة، بعدما رفض الظهور مع لافروف في المؤتمر الصحافي بعد لقاء جنيف الأسبوع الماضي. ويبدو أن الأخير فهم الرسالة، مؤقتاً، حين ظهرَ في المؤتمر وحيداً ومُتجهماً وأقلﱠ عنجهيةً بكثير في تصريحاته بخصوص سوريا. لكن هيمنة منطق القوة، وتحديداً عندما تغيب المؤسسات وتنحصر صناعة السياسة في الأفراد، تبدو مُطلقةً من ناحية، وقصيرة الذاكرة من ناحيةٍ ثانية. وهذا مايُفسر عودة الموقف الروسي إلى مسرح (اللامعقول) في المسألة السورية. ثمة منطقٌ خاصٌ لمنطق القوة يجب اتّباعُ الحكمة في التعامل معه، لأن هناك كموناً فيه يكون تدميرياً للذات. لكن ثمة قوةً للمنطق يجب، أيضاً، استذكارُها، وتوظيفُها، في التعامل مع ذلك المنطق وأهله. وهو مايُذكرنا بمقولةٍ أخرى، ذات علاقة، لنابليون نفسه، يقول فيها: «عندما يكون الخصم في معرض القيام بحركات خاطئة، فإن عليك أن تكون حذراً جداً من أن تُقاطِعه».. يمكن لأميركا وغيرها التعاملُ مع القضية بطريقتها وحساباتها لمصالحها. لكن مصالح السعودية، وأشقاء السوريين معها، تنبع من رؤيتها الخاصة لمصالحهم، وحساباتهم النابعة من ذلك في نهاية المطاف. waelmerza@hotmail.com
مشاركة :