مصير السنية العربية في مواجهة سياسة (حافة الهاوية) | وائل مرزا

  • 6/11/2016
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

في مقال له الأسبوع الفائت، كتب الزميل حازم صاغية، في الزميلة (الحياة)، مقالاً بعنوان: (إذلال السنية العربية!). وحين تصل الحال لأن يكتب مُثقَّفٌ وإعلامي عربي مثله عن موضوع السنية العربية، وعن مشروعٍ لإذلالها، ويبدأ تساؤلاته حول الموضوع من عنوانه الذي أنهاهُ بإشارة تعجُّب، فإن هذا يعني وجود حالٍ لم يعد بالإمكان التعاملُ معها بالهروب والمداورة. من أول فقرةٍ في مقاله، يضع الزميل أصبعه على الجرح بكل وضوح قائلاً: «في ظل معركة الفلوجة في العراق، ومعركة منبج، وربما غداً الرقة، في سورية، لا يستطيع المتأمل أن يطرد المعطى الماثل أمام العينين بقوة تفقأ العينين. فما بين قاسم سليماني و(الحشد) الذي يجري تمويهه بألف طريقة وطريقة في الفلوجة، والحضور المركزي للأكراد في منبج، تتعرض السنية العربية، حضوراً ولوناً، لمذبحة كبرى، مذبحة ربما رسمت ممراً إلى ما يُوصف بالخرائط الجديدة، أو النظام الإقليمي الجديد. ويتبدى، والحال هذه، كأن هذه السنية مطالبة بدفع كُلفتين في آنٍ معاً، كلفة الواقع المديد في المنطقة، الذي شرع يتداعى قبل سنوات خمس، وكلفة الثورات التي هبّت في وجه هذا الواقع وانتهى بها الأمر إلى الفشل والاحتراب الأهلي. فالسنة العرب، بالتالي، يُحاكَمون بوصفهم الحكام، كما يُحاكَمون بوصفهم المحكومين. وما القوى الإيرانية والشيعية والكردية التي تتصدَّى لتأديبهم سوى تذكير حاد بهذه القسوة الخارجية في إنزال العقوبة الجماعية». لا يعني هذا بأن المقال المذكور هو الذي (اكتشف) ما يبدو جوهرَ وحقيقةَ المشهد الذي يجري تشكيله بإشراف مخرجِين أمريكان وروس، وصمتِ آخرين وتجاهلهم، لكنه قد يكون وخزة صحوةٍ قوية لكُتَّاب ومُثقَّفين عرب، سنة وغير سنة، يتعاملون مع الموضوع حتى الآن بمثاليةٍ مُفرطة، مُتصنَّعة أو حقيقية. فإذ أمكن لهواة التصنيفات وضعُ صاغية في خانات محددة كالمسيحي الأرثوذوكسي، واليساري السابق، والليبرالي والعلماني والحداثي، إلا أن ما يستحيلُ في هذا المقام هو ربطهُ بالسنية العربية، مع ما توحي به الكلمة من مرجعيةٍ دينية وطائفية، لا علاقة للرجل بها من قريب أو بعيد. السنة العرب يُحاكمون إذاً، وثمة سيناريو لإنزال عقوبةٍ جماعيةٍ بهم، إن كان الإذلال أولَ مراحلها، فإن ما هو قادمٌ منها قد يتعلق بأصل الوجود، وعلى شكل مذابح باتت مألوفةً ومعروفة. ليس الكاتب هو مَن يقول هذا، وإنما الواقع بتفاصيله الكثيرة والواضحة والصريحة بحيث لا تحتاج إلى تحليلٍ، تُعفينا من الحاجة إليه أصلاً تصريحاتٌ وممارسات باتت تتكبَّر على التخفِّي وضروراته. لا مهرب من التفكير بهذه الطريقة، يقولُ الواقعُ لأهل السنية العربية، بكُتَّابهم ومُثقَّفيهم الذين يُحاولون (التعالي) على منطق الطائفية والمذهبية، وبحكامهم، الذين لازالوا يأملون في عودة بقيةٍ من عقلٍ وتوازن للسياسة العالمية في المنطقة. (رب ضارةٍ نافعة) كما يقولون في العربية. فقد جاءت تجربة نشر الأمم المتحدة لاسم (التحالف العربي) في قائمةٍ سوداء تُصدرها سنوياً لانتهاكات حقوق الأطفال في العالم، الأسبوع الماضي، مثالاً على ممارسات بهلوانية وقحة، تتغطَّى بالسياسة وباسم أكبر منظمة دولية، لكنها تدخل في إطار استفزاز السنية العربية تحديداً بأي طريقة. ولتحاصر أهلها أخلاقياً ودبلوماسياً، إكمالاً للحصار العسكري والسياسي المتزايد حول عنقها. والذي ينظر إلى الحيثيات التي أخذتها الأمم المتحدة بالاعتبار يدرك حجم الافتراء والتغابي الكامنة وراء مثل هذه القرارات والممارسات. فالقرار يقول مثلاً إن التحالف العربي في اليمن مسؤول عن 60% من حصيلة وفيات وإصابات الأطفال العام الماضي! لا توجد طبعاً مكاتب للأمم المتحدة في اليمن ولا مراقبون لها في أي منطقة من مناطق النزاع فيه، فكيف للأمم المتحدة أن تكون دقيقةً بهذا الشكل؟! هل يُصبح مُستغرباً أن يؤكد هذا استهداف السنية العربية؟ خاصةً حين لا نسمع أرقاماً دقيقة، بالمقابل، حول المذابح والانتهاكات التي تقوم بها القوات الإيرانية والشيعية في سوريا والعراق تجاه أطفال السنة العرب. ولكي تكتمل المهزلة، يجري ترشيح إسرائيل، بعد إصدار لائحة انتهاك الأطفال بأيام، لرئاسة اللجنة السادسة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة والمعنية بمكافحة الإرهاب وقضايا القانون الدولي، بما في ذلك البروتوكولات الملحقة باتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين في زمن الحرب والانتهاكات التي ترتكبها الدول! هل يمكن أن يكون لمثل هذا الدرك من الممارسات تفسير غير وضع السنة العرب أمام سياسة حافة الهاوية، ودفعهم في اتجاهها بكل طريقة وفي كل محفل؟. ماذا يفعل هؤلاء في مواجهة هذا السيناريو؟ بشيءٍ من الدبلوماسية الفعالة، والحازمة، تم حذفُ اسم التحالف بعد بضعة أيام من القائمة المذكورة.. هذا النوع من الحزم في الإرادة السياسية، مقروناً بفعلٍ عملي على أرض الواقع، وفي ساحات المواجهة الأكثر حساسيةً مثل سوريا، وبأيدي السوريين الجاهزين لأداء المهمة كونَهم يعانون أكثر من غيرهم، هذا وحده ما يبدو مدخلاً لإنقاذ مصير السنية العربية هذه الأيام. waelmerza@hotmail.com

مشاركة :