لا يُمكن أن تسأل الشجرة المُعلقة بجذورها المكشوفة، وسط فضاء مفتوحة في مساحة مكتبية عامة، إذا ما كانت تتقبل فكرة أن تبقى هكذا دونما تربة وأرض خصبة، تحفظ استدامتها وحيويتها، والوسيلة الوحيدة لاكتشاف مدى إدراكها لموقعها النوعي في الهواء العام، هو من خلال مراقبة نموها وتفاعلها اليومي مع المساحة، مشكلاً ذلك الحوار الأزلي بين الإنسان والشجرة من خلال تيار حيّوي من ذبذبات النمو والتطور، يتبادله الطرفان وفق مسلمات المنفعة الطبيعية للهواء والغذاء والتوازن، يصفها الفنان والمصمم الفرنسي آلان جيرنيجون، في حواره مع «الاتحاد» من خلال مشروعه القائم على فكرة تصميم بيئة متفردة لجذور الأشجار وجعلها تحيط الفضاءات العامة، دونما تربة بالشكل التقليدي المتعارف عليه، قائلاً: «أكاد أُجزم أن الشجرة، في عمقها إنسان، أتحاور معه، وأضحك كثيراً على أحاديثه، وعندما تنتابني الرتابة، أستطيع أن أرقص معه، إنها تفعل كل شيء مثلنا تماماً، في مشروعي كنت ألعب معها طوال الوقت، وبينما كنت أبني بيئة الجذور الخاصة، قد يعتقد البعض أنها هشة ظاهرياً، إلا أنها تمتلك مقدرة التكوين الداخلية، مثلما هي قوة الدائرة في تشكل الأشياء واستمراريتها، وهو فعل تتصدره أشجار كبيرة، وليست فقط نباتات صغيرة داخلية، نحن نتحدث عن شجرة مانغو ضخمة، وشجرة نخيل كتلك التي تُزرع هنا في دولة الإمارات، لنا أن نتخيل كيف يمكننا أن نبني هالة ممتدة لمشاعر الناس وأحاسيسهم وقصصهم وثقافتهم اليومية، إنها بمثابة حالة شاعرية، أستشعر تطورها، الذي يقوده حدسي في مرات عديدة، حيث تغمرني لحظتها حميمية مطلقة، تشكل عالماً متخيلاً على أرض الواقع». أخبار ذات صلة محمد الشرقي.. 16 عاماً في خدمة الوطن والمواطن سلطان النيادي يخضع لفترة عزل قبل الانطلاق إعادة التوازن «نحن لسنا عالقين».. بهذه الكلمات استطرد الفنان والمصمم آلان جيرنيجون، حديثه حول أثر تصميم بيئة الغابات الداخلية، ودورها في تحسين جودة الحياة الراهنة بكل تحدياتها، مع المطالبات الدولية والمحلية الدائمة في البحث عن الإمكانية الفعلية للحفاظ على البيئة الطبيعية وعلاقتها بالإنسان والمدينة، مبيناً أن مشروعه، يعبر عن طريقته الخاصة في ترميم العالم، وجعله أكثر نباتياً ومحفوفاً باللطف والاتزان. ورغم أن مفهوم الجذور والأرض والشجر، يمتلك مخزوناً معقداً في التجربة الإنسانية، فيما يتعلق بـ «الهوية» تحديداً، إلا أن الفنان والمصمم آلان جيرنيجون، يرى أن استمرار هذا الصراع حول التوسع الحضري والهجرة والتمدن وغيرها من التحولات الجغرافية، ما يؤثر على أدوات الإنتاج الاقتصادي، لا يعني البتة الوقوف دونما محاولة لإدراك الإمكانية الإبداعية في إعادة التوازن وفهم فلسفة الجاذبية الأرضية، فمهما ارتفعت وسبحت الشجرة في محيطنا، فهناك طاقة كامنة للجاذبية الأرضية، لا تزال تمدها بالارتكاز، فعلياً نحن نشاهد الشجرة عائمة في الهواء، ولكن ما لا نراه، والذي يمثل محركاً جوهرياً للفكرة ككل، هو التماس بين خط الجاذبية في الهواء نفسه، والذي لا يمكن تفسيره، إلا في كونه حافظاً لمفهوم الاتساق بين الأحجام والكتل في المساحات. روح الإنسان يوضح الفنان والمصمم آلان جيرنيجون، كيف أن الإنسان متعلق بكوكب الأرض بشكل استثنائي، واشتغاله بين أن يهدمه تعسفاً، وأن يعيد بناءه شغفاً، يمثل في تصوره استمراراً لحالة الإبداع، مشيراً إلى القاسم المشترك ما بين الإنسان والأرض، فيما يرتبط بالنمو والتطور، هو العفوية والمقدرة على اللعب، دونما جدية، فعندما فكر في جعل الأشجار معلقة، هو بالضرورة أراد أن يمارس براءة الطفولة والعودة لبدائية المخيلة وتعبيراتها في أن كل شيء ممكن، ومنه فإن غالباً ما يرتبك الأشخاص، عندما تمتلك المخيلة قدرة بديعة على أن تناقش صراعاتهم الداخلية: بأن تكشف جذور شجرة وتجعلها عائمة في الهواء، وكأنما تجعل الإنسان وتجاربه في مواجهة مباشرة وواضحة للعيان.
مشاركة :