التفاؤل من الفأل الحسن وهو مشروع، وكان من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام أنه كان يعجبه الفأل، وللتفاؤل في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم صور كثيرة، منها في سفر الهجرة عندما لقي رجلاً فقال: ما اسمك؟ قال: يزيد، قال يا أبا بكر يزيد أمرنا). مجموع الفتاوى لابن تيمية (23/67). وقد وردت عدة أحاديث في التفاؤل منها: - حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا طيرة وخيره الفأل، قيل: وما الفأل يا رسول الله، قال: الكلمة الطيبة يسمعها أحدكم. رواه البخاري - حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، ولا نوء ولا غول، ويعجبني الفأل قالوا وما الفأل، قال: الكلمة الطيبة). رواه مسلم. الفرق بين الفأل والطيرة يقول الخطابي: «مصدر الفأل عن نطق وبيان، فكأنه خبر جاء عن غيب، خلاف غيره فإنه مستند إلى حركة طائر ونطقه، وليس فيه بيان أصلاً، وإنما تكلف ممن يتعاطاه» فتح الباري (10/225). وقال ابن القيم -رحمه الله - : «فأين هذا من الفأل الصالح السار للقلوب المؤيد للآمال، الفاتح باب الرجاء المسكن للخوف الرابط للجأش الباعث على الاستعانة بالله والتوكل عليه والاستبشار المقوي لأمله، السار لنفسه، فهذا ضد الطيرة فالفأل يفضي بصاحبه إلى التوحيد، والطيرة تفضي بصاحبها إلى المعصية والشرك، فلهذا استحب النبي صلى الله عليه وسلم الفأل وأبطل الطيرة). مفتاح دار السعادة لابن القيم الجوزية (ص602). قال ابن سعدي -رحمه الله -: «والفرق بينهما أن الفأل الحسن لا يخل بعقيدة الإنسان، ولا بعقله، وليس فيه تعليق القلب بغير الله، بل فيه المصلحة والنشاط والسرور وتقوية النفوس النافعة ...». أما ضابط الفرق بينهما فهو (أن الفأل من شرطه ألا يقصده المتفائل فإن قصده كان من الطيرة المنهي عنها، وأن لا يحمله على العمل بموجبه، فإن عمل به فإنه يعتبر من الطيرة الشركية، وذلك لأن القلب في مثل هذه الحالة له اعتماد على غير الله -وهو الفأل- وهذا شرك). ومن خلال النصوص الشرعية وسير المتفائلين وخبراتهم وتجاربهم نستطيع أن نتوصل إلى خطوات مهمة لإذكاء روح التفاؤل عند المسلم المعاصر وهي كما يلي: 1- من مميزات الإسلام أنه يبث الأمل في النفوس البشرية حتى في أحلك الظروف، فمعروف أن يوم القيامة يوم عظيم يذهل كلّ شخص حتى عن نفسه، ومع ذلك يغرس رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجاء والأمل في النفس، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها» متفق عليه. 2 - مصاحبة أهل الخير والصلاح المتفائلين، لما للمصاحبة من أثر بالغ في التأثير على الإنسان بانتقال الصفات من شخص لآخر فالذي يحرص على أن ينتقي من الأصحاب من يغلب على حاله التفاؤل دائماً فسوف يجد ثمرة ذلك -بإذن الله - والنظر في جميع الأمور إلى ما فيها من حسن وجمال وخير، والتركيز عليه وإبرازه بصورة تعين المسلم على الاستمرار ومواصلة السير إلى الله تعالى بروح عالية مع المحافظة على التوازن والتكامل بين متطلبات الروح والجسد فلا يطغى منه جانب على آخر فإن ما طغى غلب. 3 - الاستفادة من الحوادث والمصائب التي تمر على المسلم فيما يعينه على تقوية إيمانية وترسيخ عقيدته، كما قال عليه الصلاة والسلام: (عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له» رواه مسلم. والابتعاد على الأفكار والمشاعر السلبية التي تعيق عن الإقدام على العمل الصالح، مثل القلق والخوف من الفشل. 4 - التخطيط ووضوح الرؤية والأهداف، التي يسعى المسلم لتحقيقها والتي يجب أن تكون مرتبطة بالهدف العظيم الذي يحقق نعيم الآخرة والرسالة العامة للمسلم والتي هي تحقيق العبودية لرب العالمين. وعلو الهمة والطموح والنظر إلى الأمام دائماً يعد حافزاً مهماً من حوافز التفاؤل والإيجابية. 5 - عدم الاستسلام للأزمات النفسية التي يتعرض لها المسلم في طريق عمله الصالح، والتي هي في كثير من الأحيان تعد وسيلة لليأس، يتسلط بها الشيطان على المسلم لصده عن سبيل الله ومواصلة السير إلى حيث النعيم الأبدي. 6-حب العمل والاستمتاع به، والقناعة به، وذلك بأن يتوافق مع الرسالة العامة في الدنيا وهي عبادة الله عزَّ وجلَّ. والرسالة الخاصة بأمة محمد عليه الصلاة والسلام وهي الشهادة على الناس وتبليغ دين الله تعالى للعالمين، والرسالة الخاصة بالمسلم. وتقبل النقد البناء، والمراجعة والمحاسبة بين الحين والآخر، تساهم في اصطحاب التفاؤل، واستمراريته حتى إنجاز الأعمال.
مشاركة :