يستعد مركز الشارقة للشعر الشعبي التابع لدائرة الثقافة والإعلام في الشارقة لتنظيم الدورة الثانية عشرة من مهرجان الشارقة للشعر الشعبي، في الأول من فبراير/ شباط المقبل، وقد أصبح هذا المهرجان موعداً سنوياً ثابتاً ينتظره الشعراء الشعبيون في الخليج والوطن العربي، ليجمعهم في أمسيات شعرية ولقاءات ونقاشات حول هذا اللون من الإبداع الأثير لدى المجتمعات، اللصيق بوجدان الشعوب. على طول خريطة الوطن العربي يشهد الشعر الشعبي نهضة واسعة وإقبالاً من طرف الجمهور الذي يتلقف بحماس إبداعاته، ويحتضن بإعزاز شعراءه، وقد أدى هذا الوضع إلى ظهور البرامج الإعلامية المتعلقة، وإطلاق المسابقات الشعرية المخصصة له، ونظرا لقرب هذا الإبداع من لغة وأسلوب الإنسان العادي فقد لقي تجاوبا وقبولاً من أفراد المجتمع على اختلاف مشاربهم وتباعد مستوياتهم، ووجدوا فيه ترجمة فنية جميلة وقريبة لأفكارهم وأحاسيسهم وما يتحرك في وجدانهم من مشاعر، فكان التحامهم به ضرورة، واحتفاؤهم به هو احتفاء بما يعكس مرآة ذواتهم؛ وفي الإمارات كان الشعر الشعبي ولا يزال منذ قرون واحداً من أهم مجالات الإبداع في المجتمع، وأهم صنوف الأدب التي يحتفي بها أفراده، ويحضرون مجالسها، ويتابعون جديدها، وقد ازداد هذا الاهتمام في العقود الأخيرة، مما حدا بإمارة الشارقة ممثلة في دائرة الثقافة والإعلام -وكعادتها مع مختلف مجالات الثقافة التي تهم المجتمع - إلى أن تطلق مهرجان الشارقة للشعر الشعبي، ليكون المصب الذي تصب فيه الإبداعات المتنوعة لشعراء الإمارات وإخوانهم من الشعراء الخليجيين والعرب كل عام، والملتقى الذي يجددون فيه تواصلهم ويتبادلون فيه رؤاهم الفنية، والمنصة التي عليها يكرمون، ومنها تنطلق أصواتهم الشعرية لآفاق أرحب. انطلقت فعاليات مهرجان الشارقة للشعر الشعبي عام 1983، مع تأسيس دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، وأقيمت فعالياته بقاعة إفريقيا بالشارقة وبحضور صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، وكرم سموه كوكبة من رواد الشعر الشعبي، منهم: راشد الخضر، وراشد بن طناف، وربيع بن ياقوت، وسالم الجمري، وفي عام 1984 كانت الدورة الثانية، وفيها كرّم: علي بن رحمة الشامسي وربيع بن ياقوت وأحمد بن همش، وعوشة بنت خليفة السويدي، وآمنة بنت علي، وتوقف أكثر من عشر سنوات قبل أن يعود في الدورة الثالثة عام 1998، والرابعة 1999، والخامسة 2000، وجمع خلال هذه الدورات عدداً من الشعراء الرواد والشعراء الشباب، فالتقت فيه تيارات القديم والجديد، وأثار الساحة الأدبية وحركها بتفاعل مختلف الرؤى الشعرية. ثم توقف حتى عام 2010م، وبعد إنشاء مركز الشارقة للشعر الشعبي الذي تبنى المهرجان ووضع له أسسا جديدة لاستمراره، وأطلق في تلك السنة الدورة السادسة منه، وجاءت معبرة عن التوجه الجديد للمهرجان الذي أصبح منفتحا على الأصوات الشعرية الشعبية الخليجية والعربية، فشارك فيه عدد كبير من شعراء الإمارات إلى جانب شعراء من السعودية و سلطنة عُمان والأردن والبحرين والكويت، وكرّم عددا من شعراء القصيدة النبطية الإماراتية، ثم انتظمت الدورات سنة بعد أخرى، لتشكل موعداً متجددا مع أوجه شعرية تحمل الجديد، وترصد نبض الحياة الشعبية في الوطن العربي، وأصبح تكريم المبدعين البنود الثابتة فيه، إلى جانب الانفتاح على الأصوات الشبابية والنسائية تشجيعا لها، وتحفيزا على الإبداع والحضور على الساحة الأدبية. البحث في القصيدة الشعبية وتفكيك بنياتها، ومعرفة تاريخ نشأتها، ومراحل تطورها، وعناصر الجمال التي ترتكز عليها، واختلاف تياراتها، وتأثير البيئات الثقافية المختلفة عليها، كان أيضا إحدى الفعاليات الجديدة التي دخلت المهرجان مع انطلاقته الأخيرة، وصار النقاد والباحثون في مجال القصيدة الشعبية يستدعون لحضور المهرجان والمشاركة في أنشطته من خلال أوراق بحثية يقدمونها خلال الندوة البحثية المصاحبة له، ففي الدورة الثامنة، مثلا، التي أقيمت في فبراير/شباط 2012، اختارت اللجنة موضوعا بحثيا هو القصيدة الشعبية إبداع له تاريخ التي استجْلت تاريخ القصيدة الشعبية، وفي الدورة التاسعة، كان موضوع الندوة القصيدة الشعبية.. ذاكرة تحفظ تراثها التي عكفت على بحث تجليات التراث الشعبي وتاريخ المجتمع خلال القصيدة الشعبية باعتبارها أحد أهم الأوعية للمعرفة التاريخية، وفي الدورة العاشرة كان الموضوع القصيدة الشعبية.. ذاكرة وطن التي درست أنماط حضور الشأن الوطني في إبداعات كتاب تلك القصيدة. في الحضور العربي للمهرجان لم يعد المجال مقصوراً على القصيدة النبطية ومجالها الجغرافي الذي هو الجزيرة العربية وامتداداتها، بل أصبح يستدعى له شعراء يمثلون مختلف تجليات القصيدة الشعبية في الوطن العربي، من مصر إلى اليمن إلى شعراء الشام إلى السودان إلى دول المغرب العربي، ليكون المهرجان مَصْهَرا تذوب فيه كل تلك التيارات لتشكل عجينة واحدة هي عجينة القصيدة الشعبية العربية، وليؤسس لتقارب جديد بعد أن باعدت أزمنة ماضية بين تلك التيارات ذات الأصول الواحدة.
مشاركة :