هل لغتنا العربية لغةٌ عالمية في موازين ومفهوم اللغة العالمية اليوم، وهل لها قدرة تنافسية مع اللغات الأخرى، وهذا سؤال لا يتصل بقوة اللغة ذاتها وعظمة موروثها وعلو مزاياها وتسامي خصائصها، ولكنه يتصل بشروط التنافسية بمعناها العملي الذي يجعل الجيل الشاب العالمي يتعلم لغتنا، وهذه خاصيةٌ لا تتحقق في هذا الزمن إلا مع اللغة التي يجد غير أهلها سبباً قوياً لتعلمها. ولكي نتعامل مع هذا السؤال، فسأطرح افتراضاً يشرح الفكرة، والمسألة تبدأ بحال الولايات المتحدة قبل قرنين حين استقلت عن الإمبراطورية البريطانية، واحتاج المؤسسون الجدد لدولة تلك الولايات أن يعتمدوا لغة رسمية لدولتهم الجديدة، وبعد نقاش وتصويت خلصوا لاختيار اللغة الانجليرية التي أصبحت تبعاً لذلك لغةً أميركية، ومن ثم لغة عالمية، والفرضية التي أطرحها هي ماذا لو أن أولئك المؤسسين اختاروا اللغةَ العربيةَ لتكون لغتهم الرسمية، وكيف ستكون حال لغتنا اليوم من حيث صفة العالمية، وفي المقابل كيف ستكون حال اللغة الإنجليزية لو لم يخترها الأميركيون لغةً لهم، والجواب واضح في أن اللغة الإنجليزية لن تكون لغةً عالمية في زمننا الحالي، أي أن سر عالمية اللغة يتصل بأمور ليست في طبيعة اللغة ذاتها، ولكنه يعود لمكانة الأمة حاملة اللغة، وأميركا في هذا الزمن هي المسيطرة على صناعة المعاني ولغة الإنجاز، وهي الدولة الأهم في التكنولوجيا، وفي الهيمنة على وسائل التواصل العالمية، ومن ثم فلغتها شرط للعمل والإنتاج بمثل ما هي شرط تكنولوجي واقتصادي وسياسي، ومن تعلم لغة أميركا، فهو ضمن دوائر الحضور العالمي المفتوح، ولو كانت الإنجليزية ليست لغة أميركا لأصبح حالها مثل حال لغتنا اليوم، أي أنها لغة ذات تاريخ مجيد ولغة راقية وثرية وشاعرية، ولكنها لن تكون ضروريةً لعصر العالمية، وسنرى الإنجليز يتحدثون عن لغتهم بأحاديث مثل أحاديثنا، فيها رومانسية واستحضارات لمجد تليد، وفيها أسئلة ورغبات لكي تنافس لغات العالم، وتحقق مجداً جديداً يتصل بالمجد السابق. ولست هنا في منحى التقنيط، ولكني فحسب أشرح أسباب صعود أي لغة للدرجات العليا في هرم اللغات، وكل لغة يجد متعلمها أنها ذات فائدة له وتجلب له فرصاً في العمل وفرصاً في التواصل مع العالم حتى ليشعر أنه جزءٌ فاعل ومتصل مع البشر كلهم، هذه هي اللغة الجاذبة والمخترقة للصفوف وقت الزحام. وهنا أشير لما تم في القمة الخليجية الصينية فيما يخص اللغتين العربية والصينية، وهما معاً يمران بظروف متماثلة أمام المنافس الضخم لغة أميركا ودولار أميركا، والعملة واللغة معاً هما التحدي الكبير، وأرى أن الخليج والصين معاً خطوا خطوات مفصلية في قرار التبادل التجاري بالعملات الوطنية بيننا وبين الصين، وفي تعليم الصينية في الخليج والعربية في الصين، بحيث يجد الشباب من الطرفين أن تعلم لغة الآخر الخليجي والصيني سيجلب فرصاً للعمل وفرصاً للاستثمار، وإن أصبحت اللغتان والعملتان بديلين للدولار الأميركي والإنجليزية، فهذا سيعزز المعاني الوطنية، ويكسر هيمنة العولمة بصيغتها الأميركية الحصرية.
مشاركة :